بيني وبين القلم والورق علاقات قديمة ومتينة، فهما أعز أصدقائي ورفاقي في الماضي ، بهما كنت ألهو وأرسم كل ما يدور في مخيلتي من خواطر وأُعَبِّر عما كان يدور في نفسي من مشاعر، وكم مرة عُنفت بسبب سوء استعمالي للورق وكثرة خطوطي ورسومي عليه.. وكم مرة اختلفت مع زملائي بسببهما – حينما كنت في الحقل الصحفي - ، ولذا فلن أنساهما ما حييت .. وامتدت صحبتنا وكبرت ونمت وعشقت الكتابة والصحافة تحديداً ، فزاد التصاقي بهما وزاد حبي لهما .. فإليهما أرجع لتسجيل فكرة ، وإليهما أعود لأكتب شيئاً كان يدور في خاطري، وقد قلت : ( القلم والورق ) – ولم أقل : ( الورق والقلم )، لأن القلم أكثر التصاقاً بي من الورق بينما يذهب بعض الورق في كثير من الأحيان إلى سلة المهملات .. وعمر القلم معي أطول من عمر الورق، وإذا كان للقلم والورق نصيب كبير في حياة الإنسان وفي طفولته بصورة خاصة ، فلهما في حياة المبدع إن كاتباً أو صحافياً أو حتى صاحب دار للنشر.. دور أكبر ونصيب أوفر ، ولا أظن كاتبة ناشئة أو كاتباً ناشئاً لم يصرف مع القلم والورق الكثير من وقته يخط ويمحو... ويُعيد الكتابة قبل أن يطاوعه القلم على نظم أفكاره بصورة يقبلها من يقرأ له. وحينما يصل الكاتب إلى هذه الدرجة ويروض قلمه على مطاوعته في نقل مشاعره وخلجاته وأفكاره بيسر وسهولة فإنه بذلك يصل إلى متعة نفسية كبيرة.. فاتني أن أقول إن كل ما تعلمه الإنسان في الماضي وكل ما تحقق له في ميادين العلوم والآداب والفنون يعود الفضل في حفظها ونمائها إلى القلم ولورق... بل كانا أهم أسلحته ووسائله في هذا المجال ..، وظلّ القلم طوال السنين يُسجل مشاعر الإنسان وعلومه وفنونه وإبداعاته..ولذا، كان له هذا القدر وكانت له هذه المنزلة الرفيعة ، لكن رفيقه ( الورق ) قد بدأ الانسحاب من الساحة لتحل محله الأشرطة المسجلة واسطوانات الكمبيوتر وربما انزوى في زاوية صغيرة للأطفال في المستقبل القريب، ولا أعتقد أن دور القلم في حياة الإنسان سوف يسلك نفس المسار. ولو تطورت صناعة الآلات الكاتبة والطابعة " الملونة وغير الملونة "..أو غيرها مما سوف يستخدمه الإنسان في الكتابة، وعندما كنت أفكر في اختيار عنوان لأول باكورة إنتاج لي وهو كتاب من " الحجم المتوسط " جمعت به بعض مقالاتي ووقفات إعلامية لا تنقصها المصارحة والمصالحة.. وقفت كثيراً أُفاضل بين القلم والورق ومع معتقداتي الكبيرة بأن دور القلم في حياتي أكبر من الورق حتى بعد غزو الأقراص الممغنطة والكمبيوتر إلى الساحة، فسيظل القلم وسيبقى الورق في طليعة الوسائل الأولى في العالم ليعلم الإنسان الكتابة والقراءة. فاصلة ممطرة: إن البحث عن القوى المحركة للإبداع وطبيعتها لدى أرباب الكلمة من شأنه أن يصلنا بطبائع العادات والممارسات الخاصة التي تصاحب العملية الإبداعية لدى بعضهم........ غازي الدليمي إعلامي سابق سيناريست معد برامج