هناك عادات .. وهناك تعوُّد .. وهناك طريقة يبدؤها الإنسان وسريعاً ما يعتادها ويألفها ومع تكرارها تتمكن منه وتصبح عادة لازمة له لا فكاك منها. قد يستغرب البعض أو يستسهل التمسك بأمر يراه بسيطاً وليس ذا قيمة تذكر مثل حرص أحدهم على نوع قلمه أو نوع سبحته أو حتى نوع ولون حذائه .. أذكر فيما أذكره على سبيل المثال أن شاعرنا الراحل حسن القرشي كان منظماً وذا طقوس ينفرد بها عن غيره وبالذات ملبسه ، فهو يحرص على أن يكون لكل وقت في اليوم نوع معين فمثلا ملابس الصباح غيرها في المساء ، مع حرصه الشديد على تناسق الألوان من الحذاء حتى أزرة الثوب و(الكبك) والسبحة ناهيك عن لون الثوب والعباية (المشلح) والخاتم ، فقد يكون هذا مرده إلى عمله في السلك الدبلوماسي آخر حياته – رحمه الله – . نعود إلى الرابط بين الشاعرتين هدى الدغفق وسعدية مفرح ونحصرهما في طقوس الكتابة ، فنجد هدى تقول في كتابها الأخير والمثير والجميل (أشق البرقع .. أرى) الصادر مؤخراً عن دار جداول بيروت .. نجدها تقول: ((أحببت أقلام الحبر السائل الملونة .. كتبت بلون ، وبالآخر صوّبت ، لم أطق القلم الجاف ، كذلك لم أستطع الكتابة بقلم لا غطاء له..)) وتقول: ((..لا أكتب بالأحمر إلا مضطرة ، ولا فرق بين عباراتي المتداخلة لم أضع لحظة كتابة بحثاً عن لون يناسب مزاجي .. كم قفزت أصابعي عن السطر ؛ لأنني لا أحتمل قانون السطر يسجن رؤيتي ، يحاصر مسافاتها .. أفرح بلا سطور ، تنبض أوردتي بعشق السطور الخفيفة التي بالكاد تتضح ، تزيدني رهافة وأكتب دون رقابة .. ))(1). أما سعدية مفرح ، التي عرفت شاعرة كويتية مبدعة فتقول في كتابها الأخير أيضاً (سين .. نحو سيرة ذاتية ناقصة) الصادرة مؤخراً (أيضاً) عن الدار العربية للعلوم ناشرون ببيروت) نجدها تقول إجابة لسؤال من عبدالله الفلاح : ((أكره الورقة البيضاء ، وعندما كنت استخدم الورقة والقلم للكتابة كنت أفضل أن أكتب على ورقة سبق استخدامها ، فأكتب قصيدتي مثلاً على ما تبقى منها في الأسفل أو على الهامش أو بين السطور أو غير ذلك من المساحات المختبئة والناجية من سطوة الحبر .. والتنقيح على ورقة بيضاء ناصعة بشرط أن تكون غير مسطرة وأشعر أن تلك السطور قضبان تسعى لسجن قصيدتي من ورائها .. ))(2). لم تسأل سعدية مفرح عن نوعية القلم أو لون الحبر ، ولكن لكل منا رغبته ومزاجه وما يرتاح إليه ، فقلم الحبر يحتاج إلى تعبئة ، ومع كثرة الأقلام التجارية أصبح لا يوثق بها لسوء صناعتها .. فالغالبية أصبحت تعود لتستخدم قلم الرصاص ؛ لسهولة استعماله وإمكانية مسح ما قد يقع من خطأ خصوصاً إذا كان سينقل طباعة على آلة كاتبة أو جهاز الكمبيوتر وغيرهما أما إذا كان سيبقى مرجعاً أو لاتخاذ قرار فقلم الحبر الجاف هو الأفضل والأسهل والأبقى .. ولكل رغبته ولكل مزاجه .. (1) ص 102 ، 103 . (2) ص 206 . [email protected]