أمضى ثلاثة أرباع عمره على مقاعد الدراسة ، كان يحدوه الأمل ، ويراوده حلم العمر في أن يحصد حصاد هذه السنين ويقطف ثمارها ..كان يحمل بين جنبيه آمالا عراضاً في أن يتغلب على ظروفه ، ويرفع اسم عائلته ، ويطمئن على مستقبله .. طوال هذه السنين كان يحفظ ما يطلب منه ثم يسكبه على ورقة الاختبار .. كابد أيام الاختبارات العصيبة ، وصمد في وجه أعاصيرها بقلب ملئ بالأمل وحلم العمر.. هذه قصة عادية لآلاف مؤلفة من الذين توشحت بهم صفحات صحفنا من الناجحين والمتخرجين من الثانويات والجامعات والكليات بمختلف تخصصاتها وأقسامها.. مئات الآلاف تخرجوا من الثانوية قدر عددهم ب(198.177) طالباً .. زد على هذا العدد أضعافاً وأضعافا مضاعفة من الأعداد من خريجي الجامعات والكليات .. وأنا قلت "أضعافاً وأضعافاً" ؛ لأني حتى الآن لم أتحصل على إحصائية ثابتة لهذه الأعداد ، وهذا للأسف موجود في جل مالدينا مما يتطلب إحصائيات ، فالواحد منا يجد نصبا وتعبا في الحصول على إحصائية ونسبة دقيقة ، وإنما أرقام يُخاض فيها القول بالتذبذب ما بين ارتفاع وانخفاض (كمؤشر الأسهم) ، فخذ مثلا نسبة البطالة .. ونسبة الأمية ..فنسبها متضاربة ومتباينة .. ولا أجد في هذه الحال سوى القول أن التخطيط عندنا يتم بالتخمين على حد قول أحد الكتاب الصحفيين ، وأن المسألة أضحت متعددة الروايات كل يدلي بدلوه!! على كل فهاهي النتائج قد ظهرت .. والاتجاهات التي يسلكها المتخرجون وفق المتاح تأخذ أشكالا .. فمنهم من سيتجه إلى الجامعات والكليات بأقسامها وتخصصاتها المختلفة إذا كانوا من خريجي الثانويات ، وأما الجامعيون فسينخرط قسم منهم في الوظائف الحكومية المتوفرة ، لكن هؤلاء يمثلون أقلية بالنظر إلى الأعداد الهائلة .. وقسم آخر سيضاف إلى قائمة "البطالة" ليزداد العدد وتتوسع النسبة كل عام ضعف سابقها .. فنسبة البطالة تكاد تطغى بكثير عن الأرقام التي تبثها وسائل الإعلام بالنظر إلى الواقع .. وهؤلاء العاطلون منهم من سيظل عالة على والديهم ، وينضوون تحت لواء "المنفق عليهم" مع بقية أفراد أسرهم ، لكن ما الحل لو ضاقت ذات اليدين عن الإنفاق ؟ بالتأكيد هؤلاء يشكلون "قنابل موقوتة" اجتماعياً ، وسينزلق من لا خلاق له في عصابات الانحرافات السلوكية وممارسة السيئ وتعاطي المحرم .. إن نظرة واحدة إلى ما تجود به صحفنا السيارة من أحداث تكفي لإعطائك يقينا بخطر البطالة ، لقد انتشرت مظاهر سلبية سادت مجتمعنا ، احتيال على الناس وسلب أموالهم في وضح النهار ، السرقات بالجملة ، تهريب وترويج المخدرات بأنواعها وأصنافها .. أما من كان عفيفا فسيظل مترددا على الاستراحات ، ويؤم الأسواق للتسكع في شوارعها ، وسيقلب نهاره ليلا وليله نهارا .. وما ذنبهم الوحيد إلا لأننا عجزنا عن استثمار هذه الطاقات وإعدادها وتوجيهها التوجيه الأمثل .. والجادون من أولئك سيتحملون الصعاب ويكابدون "مشاق" الانتظار ويصطفون في الطوابير أمام بوابات الشركات والمؤسسات والتي لا ترضى بهم بحجة عدم الخبرة ، إذ جل المؤسسات تشترط في المتقدم أن يكون من أرباب الخبرات فأنى لهم ذلك ، ومن أين يستمدونها؟!! ولعل من أسباب التكدس "ذهاب " قيمة الشهادات فقد أنضاف لها اختبار القدرات وتوأمها "اختبار التحصيل" الذي ذهب بجهود الحريصين والجادين أدراج الرياح ، فإذا كابد الشخص عناء الدراسة وتخرج أتته "صفعة" على وجهه بنتائج القدرات أو القياس .. وكأن المطلوب منه أن يصطحب في ملفه "الحظ" حتى لو يستجلبه من جزر "الواق واق" !! لكي يجتاز عقبة القدرات والقياس التي وضعناها بأيدينا!! وإذا ما غامر الإنسان واجتاز الحواجز المقامة وجاهد وصبر فظفر بوظيفة فادعوا له بالصبر والثبات فهما مهمان جدا لهذا المكافح ، لان الصبر والثبات على تحمل هذه الوظائف ذات المردود القليل والعائد الضئيل لا يوازيه صبر ..وإلا فقولوا لي بربكم ماذا يفعل مواطن بألف ريال وأين يصرفه .. وكم يدخر منه لبناء مستقبله وإصلاح أوضاعه ؟!! مسكين أحدهم لقد أسمعني جملة مؤلمة إذ قال : ليتني لم أنجح ، ولم أتخرج !!! .. لماذا .. ربما لأنه لما كان يدرس كان مكفولا من أهله ، ولم يحمل هم مستقبل ولا عناء الغدو والرواح إلى هذه القطاعات ، ولم يتعود على انتظار الساعات الطوال في أروقة من يبحث فيها عن عمل .. فهل بات النجاح مدرجا في قائمة مسببات الحزن والاكتئاب؟!! أخيراً.. هذه أفكار راجت لي وعنت لقلمي العزيز لما قرأت أسماء الناجحين وهذه الأعداد التي يحسن توجيهها واستثمارها .. ولم أزل متسائلا أين يذهبون ؟! ولكم تحياااااتي. للتواصل