تعودت الجماعة الشعبية في مصر أن تخلد رحلة الحج لمن زار الأماكن المقدسة في مكةالمكرمة والمدينة المنورة وذلك من خلال طقوس كثيرة منها توديع الحاج بموكب تدق فيه الدفوف داعية له القلوب بالسلامة والحج المبرور والذنب المغفور، ومنها الجداريات التي اعتادت أن ترسمها له لتكون في إستقباله عند العودة، تخلد أسم الحاج وتاريخ الرحلة وتتخير أهم لحظات الرحلة من الدابة إلى الطواف بالكعبة والوقوف بعرفة. وفى قرية "سلوه بحري" بمحافظة أسوان 800 كيلو متر جنوبالقاهرة، رصدت عدسة " سبق" جداريات الفنان " عيد الرِقيّق " أو عيد أحمد يس، الذي اختارته الجماعة الشعبية كي يبدع لها مخلداً هذا الحدث الهام في رؤية بانورامية تلتقط أهم لحظات المعبرة، وتستلهم في ذلك القواعد الفنية للجماعة بعيدا عن تقاليد الفن الأكاديمي المدرسي. على الجدار الخارجي وأعلى باب المنزل كتب الفنان عيد الرقيق " الحاج عبدالمطلب محمود حسن شيبه والحاجة حرمه" دون ذكر إسمها حسب التقاليد الشعبية. وقد تعود الفنان أن يبدأ دائما بمفردة الكعبة تبركا وتعظيماً مستخدما عبارة قرآنية دالة هي " وأتموا الحج والعمرة لله" فيكتب كلمة " والعمرة " كإطار يمثل الجزء السفلى منه الخط الأفقي للمفردة وبداخل الكلمة يضع الكعبة حيث يمثل خط منتصف الكعبة الخط الرأسي ويملأ المساحة الأفقية بين الكعبة وكلمة "العمرة" بتكرار نقاط سوداء تمثل الحجاج في الطواف وعلى جانبي المفردة يضع " وأتموا الحج " ثم " لله " وازنا المفردة ككل. ثم يرسم وقفة عرفات مستخدما نفس الأسلوب واضعا عبارة " الحج عرفة" كإطار سفلى، ثم يرسم جبل عرفة حيث يمثل " شاخص جبل عرفة" المحور الرأسي للمفردة، وتتوزع النقاط البيضاء مممثلة الحجاج في وقفتهم في لوحة أقرب للزخرفة. ويرسم الباخرة " السلام 91 " التي نقلت الحاج، وفى تقليد ترسب في ذاكرة الجماعة الشعبية منذ القدم، يرسم الحاج على راحلته الجمل، ثم يكمل بقية رؤيته البانورامية بمفردة استقبال الحاج مستخدما عبارة " حج مبرور وذنب مغفور" فيضع كلمة حج كإطار للمفردة وبداخله شخص يحتضن الحاج مهنئا ثم يضع كلمة "مبرور" داخل الإطار ويزن المفردة من الناحية الأخرى بعبارة " وذنب مغفور" . وفى مفردة مماثلة يرسم إستقبال الحاجة، لكن وحسب تقاليد المجتمع توضع هذه المفردة داخل المنزل وليس على الجدار الخارجي، أيضا يحرص الفنان على أن يكون جلباب الحاج ورداء الحاجة أبيض في إشارة إلى التطهر من الذنوب، وبالطبع وحسب التقاليد الفنية المتوارثة يغيب المنظور في جداريات الفنان الشعبي، كما غاب على جدران معابد مصر القديمة. يقول أستاذ الأدب الشعبي بأكاديمية الفنون في مصر الدكتور صلاح الراوى في أعمال أي فنان شعبي تتجلى تلك الذاكرة الجمعية من حكايات وأحداث وأماكن وأشياء وشخصيات والتي تنتقل شفاهة من جيل إلى جيل حاملة في طياتها مدلول يخص هذه الجماعة دون غيرها، يشرح ملامح هذه البيئة المحلية ويفسر موروثها الثقافي وجدارياته بهذا المعنى هي التمثيل الحي لتلك الذاكرة التي ذابت فيها الأصول الأولى للعناصر وامتزجت في وعيها ولا وعيها محددة في النهاية تقاليد فنية تخص هذه الجماعة وحدها، وهى التقاليد التي نشأ عليها فنانها المبدع.