أمهل رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل القوات الموالية للعقيد المخلوع معمر القذافي اليوم الثلاثاء، أربعة أيام حتى السبت؛ لتسليم المدن التي تسيطر عليها وإلا تعرضت لعمل عسكري. وقال عبد الجليل في مؤتمر صحفي: "بداية من السبت القادم إذا لم تكن هناك بوادر سلمية لتنفيذ هذا الأمر على الواقع فإننا باستطاعتنا حسم الموضوع عسكرياً.. نحن لا نتمنى ذلك ولكن أيضاً لا نصبر أكثر من ذلك". واقتربت قوات المعارضة من سرت من الشرق والغرب لكنها أحجمت عن شن هجوم شامل على المدينة أملاً في ترتيب استسلام عن طريق التفاوض لسرت وهي مسقط رأس القذافي. والقذافي هارب منذ أن سيطر معارضوه على مقره في العاصمة طرابلس يوم 23 أغسطس وانهار حكمه الذي استمر 42 عاماً بعد احتجاجات بدأت قبل ستة أشهر ودعمها حلف شمال الأطلسي وبعض الدول العربية. وقالت شبكة "سكاي نيوز" البريطانية نقلاً عن حارس لخميس القذافي عمره 17 عاماً إن القذافي كان في طرابلس حتى يوم الجمعة وتوجه منها إلى سبها في الجنوب. ونقلت عن الحارس الأسير الذي لم تذكر اسمه قوله، إن القذافي التقى ابنه خميس في نحو الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر يوم الجمعة، في مجمع في طرابلس تعرض لإطلاق نار كثيف في ذلك الوقت من قوات المعارضة. ووصل القذافي في سيارة وانضمت إليه ابنته عائشة بعد فترة وجيزة. وقال الحارس لمراسل ل"سكاي نيوز"، إنهم استقلوا بعد ذلك سيارات ذات دفع رباعي وانصرفوا، مضيفاً أن رئيسه المباشر قال له: "إنهم ذاهبون إلى سبها". وسبها إلى جانب سرت من الأماكن القليلة التي ما زالت تسيطر عليها قوات مؤيدة للقذافي. وذكر متحدث باسم حلف شمال الأطلسي أن التقارير التي أفادت بوجود مفاوضات بشأن سرت مشجعة، لكنه قال إن الحلف الذي بدأ حملة قصف جوي من خمسة أشهر يستهدف المناطق المؤدية إلى المدينة. وقال المتحدث الكولونيل رولاند لافوي متحدثاً من نابولي خلال إفادة صحفية لحلف الأطلسي في بروكسل: "منطقة اهتمامنا الرئيسي هي ممر.. يؤدي إلى الطرف الشرقي لسرت". وذكر ضباط مناهضون للقذافي أن خميس ورئيس المخابرات الليبية عبد الله السنوسي قتلا في اشتباك يوم السبت. ولم يتأكد هذا النبأ وقال المتحدث باسم الحلف إنه لا يعرف مصير خميس. ومع استمرار ملاحقة القذافي اتهم مسؤولون ليبيون الجزائر بالعدوان عن إيوائها زوجة القذافي الهاربة وثلاثة من أبنائه. وقالت وزارة الخارجية الجزائرية إن صفية زوجة القذافي وابنته عائشة وابنيه هنيبعل ومحمد دخلوا الجزائر صباح أمس الاثنين مع أبنائهم. وأثار هذا خلافاً دبلوماسياً، بينما يعمل المجلس الوطني الانتقالي على توطيد دعائم سلطته والسيطرة على المناطق التي ما زالت موالية للقذافي وخصوصاً مدينة سرت الساحلية. وأفاد متحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي بأن المجلس سيسعى لتسلم أفراد أسرة القذافي من الجزائر التي لم تعترف بعد بالمجلس، واعترفت قرابة 60 دولة بالمجلس الوطني الانتقالي سلطة شرعية في ليبيا. ولم تعترف بعد بالمجلس روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل. وأغضبت موافقة الجزائر على إيواء زوجة القذافي وأبنائه الزعماء الليبيون الذين يريدون محاكمة الزعيم المخلوع والمحيطين به بشأن ما يشتبه أنهم ارتكبوه من جرائم. وذكرت صحيفة الوطن الجزائرية اليوم نقلاً عن مصادر دبلوماسية أن الجزائر ستغلق الجزء الجنوبي من حدودها مع ليبيا؛ بسبب "خطورة الوضع" هناك. ودعا عبد الجليل الحكومة الجزائرية إلى تسليم أي ابن للقذافي ممن يريد المجلس الوطني الانتقالي اعتقالهم. وطلب من الحكومة الجزائرية ضمان ألا يمثل وجود هؤلاء الأشخاص في الجزائر تهديداً لليبيا، معبراً عن أمله في تسليمهم عندما يطلبون للعدالة. وقال عبد الجليل الذي كان وزيراً للعدل في حكومة القذافي إنه يتوقع ألا يبقى الهاربون في الجزائر طويلاً، وأن ينتقلوا منها إلى غيرها. وتشعر الجزائر التي رفضت الموافقة على فرض عقوبات على القذافي، وعلى فرض منطقة حظر للطيران فوق ليبيا بالقلق بشأن الانتفاضات في الدول العربية. وقال فواز جرجس وهو محلل في كلية الاقتصاد بلندن لهيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي" "أرى أن النظام الجزائري يرتكب خطأ فادحاً ويخطئ الحساب بشدة". وأضاف: "النظام الجزائري نفسه غير محصن ضد المد الثوري الحالي في العالم العربي". وكشفت زيارة لمجمع على الشاطئ في طرابلس كان يرتاده أبناء القذافي والنخبة المحيطة به عن حياة ترف وبذخ لا يمكن لكثير من الليبيين حتى إن يحلموا بها. وامتلأ بيت الساعدي القذافي بملابس من تصميم مشاهير مصممي الأزياء العالميين ونحو 100 حذاء، بينما احتوى منزل عائشة القذافي على 13 غرفة نوم وأدوات مائدة مطلية بالذهب. وينام المقاتلون الليبيون الآن في غرف نوم حكامهم السابقين الذين ضم مجمعهم المحاط بالأسوار ملاعب للتنس وكرة القدم ومطاعم أمام مناظر بديعة على البحر. وشعر كثير من الليبيين بسعادة غامرة لسقوط القذافي لكنهم جزعوا للأدلة على وقوع جوادث قتل جماعي في طرابلس حيث كانت قوات القذافي تخوض معارك خاسرة مع المعارضين.
وبعد أسبوع من الاطاحة بالقذافي ما زال سكان طرابلس وعددهم مليونا شخص يعيشون دون مياه جارية ولا كهرباء. وما زالت البنوك والصيدليات ومحلات أخرى كثيرة مغلقة. وقال متحدث باسم مجلس مدينة طرابلس إن محطة في سبها الموالية للقذافي تضخ الماء الى طرابلس أصيبت بأضرار. وأضاف أن القوة العسكرية الكبيرة اللازمة لمرافقة فريق مهندسين لتصليحها غير متوفرة. لكن مكتب الشؤون الإنسانية التابع للاتحاد الأوروبي قال في تقرير حصلت رويترز على نسخة منه اليوم إن القوات الموالية للقذافي في سرت قطعت ثلثي إمدادات المياه عن طرابلس ويأتي معظم هذه الامدادات من "النهر العظيم" وهو مشروع أقيم في عهد القذافي لضخ المياه الجوفية من الصحراء. وقال تقرير مكتب الشؤون الإنسانية "الصمام الذي يسمح بتحويل 200 ألف متر مكعب (يوميا) من الشبكة الشرقية موجود في سرت وقوات القذافي تغلقه". وهناك 100 ألف متر مكعب أخرى يوميا مصدرها 30 بئرا لكن نقص المياه أدى إلى إغلاق بشبكة ثانوية تخدم المناطق الريفية المحيطة بطرابلس. وقال التقرير "بعض الضواحي حرمت تماما من المياه على مدى الأيام الثلاثة الاخيرة". وخرج بعض سكان طرابلس لشراء مواد غذائية قبل عيد الفطر الذي بدأ اليوم. ولم يفتح أبوابه الا بعض أسواق الخضر والبقالة الصغيرة.