"لم أكن أتوقع أن يكون هناك فرص وظيفية مميزة للسعوديين في مصانع الأغذية؛ فقد كان التصور عندي سابقاً أن العامل الوافد هو الوحيد القادر على التعامل مع الآلات بالمصانع الخاصة بالأغذية؛ ولكني اكتشفت أن الواقع مختلف تماماً".. هذا ما قاله ل"سبق" الشاب سلمان شراحيلي، الذي يعمل في إحدى أكبر الشركات المتخصصة في صناعة الأغذية والألبان. وأضاف: "بعد تخرجي من الثانوية العامة التحقت ببرنامج تدريبي لمدة سنتين بالمعهد التقني للألبان والأغذية في مدينة الخرج، التابع للمؤسسة العامة للتدريب التقني.. ساعدني البرنامج في تطوير مهارات اللغة الإنجليزية، واكتسبتُ مهارات العمل في هذا القطاع، ثم التحقت مباشرة بالعمل في إحدى الشركات الكبيرة التي وجدتُ فيها عدداً كبيراً من الشباب السعوديين، والتي توفر لنا الاستقرار التامّ والعيش الكريم؛ من خلال ما يُقَدّم لنا من مميزات وظيفية وترقٍّ في الوظيفة".
وتمنى "شراحيلي"، من خلال تجربته الشخصية الحقيقية، من كل خريج حديث من الثانوية العامة أن يبحث عن اكتساب المهارات في المِهَن التي يزخر بها سوق العمل في مختلف المجالات التقنية والمهنية. الوظيفة قبل التخرج وتحدّث ل"سبق"الموظف بإحدى شركات الألبان "محمد غزاوي"، عن تجربته في قطاع الألبان والتغذية قائلاً: "أنا أحد خريجي المعهد التقني للألبان والأغذية، وتلقيت عرضاً وظيفياً -أثناء دراستي بالمعهد- من الشركة التي أعمل بها حالياً، وبالفعل وقّعت العقد أثناء فترة تدريبي في المعهد، وبعد انضمامي للشركة وجدتُ عدداً كبيراً من الشباب السعودي يعملون في مصانع الشركة، وأتمنى أن أرى دخول المزيد من الشباب في هذه المجالات بالقطاع الخاص، التي تتميز برواتبها المُجزية وعدم رتابة العمل".
فرصة السعوديين وبيّن مدير العلاقات العامة بإحدى الشركات العاملة في مجال صناعة الأغذية عبدالله ناصر العتيبي، أن مخرجات برامج التدريب التقني والمهني، هي إحدى العلامات المضيئة في نجاح تجربة تدريب الشباب السعودي وتأهيلهم؛ للدخول في معترك الحياة العملية، وأنه طالما تحدث الإعلام السعودي ومجتمع الأعمال بالمملكة عن الكثير من قصص النجاح التي كانت تترافق دائماً مع تجارب خرّيجي المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، في أعمالهما المختلفة في القطاعات الحكومية والخاصة على حد سواء، وكانت شركتنا إحدى بيئات العمل التي استفادت من مخرجات هذه المؤسسة، من خلال توظيفها لكفاءات سعودية قادرة على إعطاء قيمة مضافة لأداء الأعمال.
وفي السياق ذاته، أوضح مديرعام الموارد البشرية والخدمات المساندة بإحدى شركات الألبان الكبرى "عبدالله البدر"، أن الثقة في الشباب السعودي وقدراته هي الأساس الذي قامت عليه مشاريع التوطين في الشركة؛ حيث تحرص الشركة على مراجعة وتطوير سياسات التوظيف لديها، ومراقبة ودراسة مؤشرات وإحصاءات سوق العمل المحلي بشكل دائم؛ بحيث يكون العرض المُقَدّم للشاب السعودي عرضاً متميزاً؛ حتى بالنسبة للوظائف التي لا تتطلب تأهيلاً وتعليماً.
وأضاف: "نحن في قطاعنا لدينا إيمان بأنه متى أُعطي الشباب السعودي الاهتمام والتدريب المناسب؛ فإنهم سيبدعون ويحققون نتائج متميزة".
شراكة الحكومة و"الخاص" وأوضح المتحدث الرسمي للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني "فهد العتيبي"؛ قائلاً: "بهدف تدريب وتأهيل المواطنين السعوديين في مختلف المجالات التقنية والمهنية، قامت المؤسسة بإعداد وتنفيذ برامج تدريبية متخصصة حسب احتياج سوق العمل السعودي؛ بما يضمن حصول الخريجين على فُرَص عمل مناسبة؛ وذلك في مختلف القطاعات؛ ومن أبرزها قطاع صناعة الأغذية والألبان".
وأضاف "العتيبي": "حيث يُعَدّ قطاع صناعة الأغذية أحد القطاعات الحيوية والمتنامية التي تحتاج إلى كوادر بشرية وطنية مؤهلة لتشغيل هذا القطاع وتطويره؛ فقد قامت المؤسسة -بالشراكة مع شركة المراعي- بتشغيل المعهد التقني للألبان والأغذية في الخرج عام 2009م، ويخرج المعهد ما يقارب 200 شاب سنوياً من أبناء الوطن؛ للعمل في قطاع الأغذية والألبان وجميع الخريجين، يوقعون عقودهم الوظيفية أثناء فترة تدريبهم بالمعهد".
وتابع: "جاءت حاجة إنشاء المعهد بعد المسح الميداني الذي أجراه المختصون في سوق العمل بقطاع الألبان والأغذية بالمملكة، والذي اتضح -من خلاله- تدني نِسَب التوطين في هذا المجال، وكذلك عدم وجود معهد تقني متخصص لتأهيل وتدريب الشباب السعودي في هذا القطاع، وساهم المعهد منذ بدء تشغيله في تزايد نِسَب السعوديين العاملين في مجال صناعة الأغذية".
الحاجة لشباب مؤهل ويقول الخبير الاقتصادي السعودي الدكتور صلاح الشلهوب: "مما لا شك فيه أن للتدريب التقني والمهني دور مهم في تأهيل وتدريب الأيدي العاملة السعودية؛ حيث يَجِد هذا المجال اهتماماً كبيراً في الدول الصناعية العظمي -خاصة منذ وقت مبكر- لقياس اهتمامات وميول طلاب التعليم العام من الجنسين، وسوق العمل في المملكة بحاجة كبيرة لطلاب يكون لديهم المهارات التقنية والمهنية اللازمة.. ومعظم دول العالم تعمل على تغطية سوق العمل لديها من مواطنيها، وهذا توجّه المملكة الآن، والواضح -من خلال سوق العمل- أن هناك فجوة كبيرة جداً بين حجم احتياج سوق العمل للأيدي العاملة؛ في مقابل وجود بطالة وعدم وجود فُرَص عمل مناسبة لكثير منهم".
واختتم قائلاً: "لكن كثقافة عامة، بدأت الفكرة تتغير لدى الشباب الذي لم يعُد في حاجة لإقناعه بالوظائف التقنية والمهنية، وأنها مقبولة في المجتمع؛ لأن كثيراً من الخريجين -حتى في التعليم الجامعي- أصبحوا يمارسون أعمالاً كانوا ينظرون إليها في السابق على أنها غير مرغوبة لديهم، مع وجود الحاجة والواقع الذي تفرضه سوق العمل من خلال وجود وظائف مرموقة وذات دخل مادي مجزٍّ".