عمال يحصلون على 100 ضعف رواتبهم.. ماذا كنت ستفعل لو كنت مكانهم؟    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    الموسيقار العالمي هانز زيمر يبهر جمهور "موسم الرياض" في ليلة ابداعية..    وصول الوفود المشاركة في مؤتمر آسيان الثالث "خير أمة" بمملكة تايلند    محمد بن عبدالعزيز يشكر القيادة لتمديد خدمته نائباً لأمير جازان    إدارة ترامب تغير رسميا اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا    الشباب يحصل على شهادة الكفاءة المالية    «ميتا» تعتزم استثمار أكثر من 60 مليار دولار في تطبيقات الذكاء الاصطناعي    حكومة اليمن تدعو لتصنيف الحوثي «منظمة إرهابية عالمية»    فريق برادي يتصدر التصفيات التأهيلية لبطولة القوارب الكهربائية السريعة "E1"    مدرب الأهلي "ماتياس": الجميع يعمل لتدعيم صفوف الفريق    "الأهلي" يكشف أساطيره في "أسبوع الأساطير"    بعد «سره الباتع».. فيلم جديد يجمع رانيا التومي مع خالد يوسف    شامخات القصيد في معرض الكتاب بالقاهرة.    الربيعي تحصل على المركز الثاني في مسابقة بيبراس للمعلوماتيه    محمد بن عبدالعزيز يشكر القيادة بمناسبة تمديد خدمته نائبًا لأمير جازان    مدير عام تعليم الطائف التعليم استثمار في المستقبل وتحقيق لرؤية 2030    وزير المالية: استثماراتنا في أمريكا تفوق 770 مليار دولار    منح وزير الشؤون الإسلامية وشاح الطبقة الأولى للشخصية الإسلامية العالمية المؤثرة لعام 2024    أمير حائل يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تمديد خدمته أميرًا للمنطقة    جامعة الملك عبد العزيز تطلق مبادرة لتطوير مهارات الطلاب والطالبات في مجال الذكاء الاصطناعي الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط    الأمير محمد بن سلمان يُعزي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ فاضل الصباح    أعراض غير نمطية لتصلب الشرايين    الأولمبياد الخاص السعودي يختتم المسابقات الوطنية للقوة البدنية والسباحة بالرياض    40 ألف ريال تكاليف ليلة الحناء    الجبير يُشارك في جلسة حوارية في منتدى دافوس بعنوان «حماية البيئة لحفظ الأمن»    النصر يحضر عرضه الرسمي من أجل دوران    «سلمان للإغاثة» يوزع مستلزمات تعليمية متنوعة لدعم مدارس محو الأمية ومراكز ذوي الإعاقة في اليمن    ترمب يلغي الحماية الأمنية عن فاوتشي: «ليحمي نفسه»    المملكة تعلن عن استضافة اجتماع عالمي دوري للمنتدى الاقتصادي العالمي    قائد الإدارة الجديدة في سوريا يستقبل وزير الخارجية فيصل بن فرحان    القصيبي مسيرة عطاء    عبد العزيز بن سعد يشكر القيادة لتمديد خدمته أميراً لحائل    آل سمره يقدمون شكرهم لأمير نجران على تعازيه في والدهم    الجوف: القبض على شخصين لترويجهما أقراصا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    أكثر من 20 ألف جولة رقابية تنفذها بلدية محافظة الأسياح لعام 2024م    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الإساءة إلى جيرانكم وأحسنوا لهم    خطيب المسجد الحرام: حسن الظن بالله عبادة عظيمة    إحباط محاولة تهريب أكثر من 1.4 مليون حبة كبتاجون عبر ميناء جدة الإسلامي    الذهب يسجل أعلى مستوى في 3 أشهر مع ضعف الدولار وعدم وضوح الرسوم    ترمب يشدد على إنهاء حرب أوكرانيا ويلوح بفرض جمارك ضخمة    قاضٍ أمريكي يوقف قرار تقييد منح الجنسية بالولادة    أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    المشي حافياً في المنزل ضار للقدمين    العمل المكتبي يُبطئ الحركة ويزيد الأرق    عقل غير هادئ.. رحلة في أعماق الألم    %2 نموا بمؤشر التوظيف في المملكة    400 مشارك في جائزة "تمكين الأيتام "    تاريخ محفوظ لوطن محظوظ برجاله..    السياسة وعلم النفس!    أمانة جدة تضبط 3 أطنان من التبغ و2200 منتج منتهي الصلاحية    الثنائية تطاردنا    أعطته (كليتها) فتزوج صديقتها !    أمير منطقة جازان يلتقي مشايخ وأهالي محافظة فيفا    الملك وولي العهد يعزيان رئيس منغوليا في وفاة رئيس منغوليا الأسبق    ترامب يعيد تصنيف الحوثيين ك"منظمة إرهابية أجنبية"    السعودية تدين وتستنكر الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية على مدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة    الإرجاف أفعى تستهدف بسمّها الأمن الوطني..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطيب الحرم المكي: رمضان كنز المتقين وبهجة السالكين
أكد ضرورة المسارعة بالتوبة والاستكثار من الطاعات
نشر في سبق يوم 12 - 06 - 2015

قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد: "مع دورات الأفلاك وتقلبات الأيام، ترتجف قلوب المؤمنين وتتسارع دقات أفئدة المخبتين؛ فالأعمار قصيرة مهما طالت، والأيام سريعة مهما أبطأت، الدنيا مدبرة والآخرة مقبلة؛ فاستقبلوا المقبل، ولا يشغلكم المدبر؛ فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، والكيّس من دانَ نفسه وعَمِلَ لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني" .

وأضاف في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: إن محاسبة النفس هي ديدنُ العاملين المخلصين، ونهجُ عباد الله الصالحين، انظروا ماذا ادخرتم ليوم معادكم، وماذا قدّمتم للعرض على ربكم؛ فلله كم من الأعمار أمضيتم، وكم من الأحباب فقدتم، وكم من الأقارب دفنتم، وكم من عزيز في اللحود قد واريتم، عاجَلَتهم آجالهم، وقطع الموت آمالهم، ولعل الله أن يُثيبهم على صالح نياتهم؛ فإنما لكل امرئ ما نوى".

وأوضح الشيخ "ابن حميد" أن شهر رمضان كنز المتقين، وبهجة السالكين وراحة المتعبدين قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيْ أُنْزِلَ فِيْهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيْضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيْدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيْدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوْا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوْا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُوْنَ} . طاعة الله شرف، والوقوف بين يدي الله نعمة، واغتنام مواسم الخيرات منّة، وإن من لُطف الله ورحمته أن عوّض بقِصَر الأعمار ما تُدرك به أعمار المعمّرين بمئات السنين؛ وذلك بمضاعفة الأجور لشرف الزمان، وشرف المكان، ومواسم الطاعات.

وقال معاليه: "شهركم شهر عظيم مبارك فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فهو المحروم. إنكم تستقبلون شهراً عظيما مباركاً، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفّد الشياطين، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح، وجاء في السنن: (ينادي فيه المنادي: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار؛ وذلك كل ليلة).

وأبان أن من أعظم صدق الاستقبال لهذا الشهر: مجاهدةُ النفس من الشيطان والهوى والشهوات، والاجتهاد في طلبِ الخير، والتعرضِ لنفحات الرب الكريم، وفي الحديث: (اطلبوا الخير وتعرّضوا لنفحات الله؛ فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء)، وقال: "فترون الموفق يا عباد الله يُقبل على ربه في اجتهاد، وانشراح، وإقبال على الطاعة، وفرح بها، وأمل عظيم من ربه بالتيسير والقبول. ومن حُسن الاستقبال: العزمُ الصادق، والنيةُ الخالصة وربكم مطلع على النوايا، خبير بالعزائم، قال تعالى {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}؛ فانووا الخير، واعقدوا العزم، واشحذوا الهمم تفتح لكم أبواب التوفيق".

وأوضح أنه مما يُعين على العزم الصادق والنية الخالصة ما يعلمه المسلم من عظيم الأجر وجزيل الثواب، في انطلاقة جادة، وعزيمة مؤكدة، وتوبة صادقة، يجدد فيها العبد العهد مع ربه، يأتمر بالأوامر، وينتهي عن النواهي، ويستقيم على الجادة؛ وإنما العبرة بالخواتيم. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ, وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).

وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: "ومن الاستعداد أيضاً: التوبةُ الصادقة النصوح؛ إقلاعاً عن المعاصي، وندماً على فعلها، وعزماً على عدم العودة إليها، وتوجهاً إلى فعل الخير، واستغلالُ مواسم الطاعات، والاستكثارُ من الأعمال الصالحات، من صيام، وصلاة، وصدقات، وقيام ليل، وقراءة قرآن، وذكر، ودعاء، وصلة رحم، وتفقد الأهل والذرية، وحفظ للوقت وبُعد عن المشغلات والملهيات. وإن من حسن الاستقبال تصفية القلب؛ وذلك بالصدق مع النفس ومع الناس، وحبِّ الخير للجميع، والبُعدِ عن أمراض القلوب، من الغل، والحقد، والحسد، والكبر، والغش، والغيبة، والنميمة، وفي الحديث: قيل يا رسول الله: أي الناس أفضل. قال: (كل مخمومِ القلب، صدوقِ اللسان)، قالوا: صدوق اللسان نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ قال: (هو التقى النقي لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد) رواه ابن ماجه.

وأضاف "ابن حميد" قائلاً: "شهر رمضان المبارك شهر البر والإيمان، والخير والإحسان، والصفح والغفران، وهو فرصة للتحلل من حقوق العباد ومظالمهم؛ فيردُّ العبد ما يستطيع ردَّه، ويطلب المسامحة من إخوانه. وفي الحديث: (رحم الله عبداً كانت عنده مَظلمة في عرض ومال فجاءه فاستحله قبل أن يؤخذ وليس ثمّ دينار ولا درهم؛ فإن كانت له حسنات أُخذ من حسناته، وإن لم تكن له حسنات حَمَلوا عليه سيئاتهم)".

وحذّر مما يوغر الصدور ويقصم الظهور، ويُمرض القلوب، ويولّد الأحقاد، ويُكثر الحسّاد، من حب الظهور والتطلع للرئاسات، وابتغاء الشهرة يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: "ما من أحد أحبَّ الرئاسةَ إلا حَسَد وبغى، وتتبع عورات الناس، وكره أن يُذكر أحدٌ بخير".

وقال: "من حُسن الاستقبال والجدِّ في الاستعداد: حرصُ العبد على معرفة ما يحتاجه من أحكام الصيام وفقهه؛ ليسلَم له صيامه من النقص، وما ينقص ثوابه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، والعناية في حضورِ مجالس العلم والذكر والوعظ، وسؤالِ أهل العلم فيما يجهله أو يشكل عليه".

وأردف قائلاً: "كم ترون في هذا الشهر الفضيل من المشمرين، وكم تسمعون من بكاء المتبتلين، وكم تلحظون من دموع المبتهلين، ما بين راكع، وساجد، ولكتاب الله تالٍ، ولأعمال البر مشمر، في أعمال دؤوبة لا تكاد تنقطع، مَنِ الذي قربهم؟ ومن الذي أعانهم؟ إنه التوفيق من الله، والحرصُ على الطهر والصفاء، والبعُد عن المعاصي؛ فيا لسعادة مَن مد الله له في الأجل، ومتّعه بالصحة، ووفقه لحُسن العمل؛ ليشمله بعفوه، وينعم عليه بغفرانه.. وإذا كانت مفاوز الدنيا تقطع بالأقدام؛ فإن مفاوز الآخرة تُقطع بالقلوب، قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.

وأكد الشيخ صالح بن حميد، أنه ما استعان عبد على دينه بمثل خشية الله، ومن خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}، وأن مقام العبودية هو بتكميل مقام الذل والانقياد، وأكمل الخلق عبودية أكملهم ذلاً وانقياداً وطاعة؛ فهو ذليل لعظمة مولاه، ذليل لربوبيته، ذليل لإحسانه وإنعامه.

وحث على الحرص على هذه الغنائم العظيمة، والتجارة الرابحة، مع ثناء الكريم الجواد في الحديث القدسي: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي)، واعلم أن الله إذا أراد بعبد خيراً فتح له أبواب التوبة، والعزمِ، والانكسار، والذلِّ، والافتقار والاستقامةِ، وصدقِ اللجوء إليه، ودوامِ التضرع والدعاء والتقرب إليه؛ مستشهداً بقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.

وبيّن إمام وخطيب المسجد الحرام، أن شهر رمضان شهر مبارك شهر التاريخ والأمجاد والانتصارات شهر فخر الأمة وعزها في بطولات قادها الأخيار في غزوة بدر، وفتح مكة، ونخوة المعتصم، ونصر صلاح الدين، في ذكريات وأمجاد تهتز لها القلوب بهجة، وترتفع بها النفوس عزة، ومع استذكار هذه الذكريات، واسترجاع هذه الأمجاد.

وعبّر عن أسفه لما تعيشه الأمة في بعض أقطارها ومواقعها من اضطراب وفتن، وقودها شباب استحوذت عليهم، فيها جماعات متطرفة ومجموعات إرهابية؛ بل مجموعات مشبوهة تعمل فيها أيد أجنبية وتخطيطات خارجية، استمرأوا القتل واستحلوا الحرمات. وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة لهرجاً)، قال: قلت يا رسول الله ما الهرج؟ قال: (القتل: وليس بقتل المشركين؛ ولكن يقتل بعضكم بعضاً؛ حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته)؛ فقال بعض القوم: ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا، تُنزع عقول أكثر ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم).

وأوضح "ابن حميد" أنما ذهبت العقول في تلك الفتن؛ لأنها تظن أنها تعلم وهي لا تعلم، وتظن أنها تصلح وهي تفسد، وتظن أنها تنصر دين الله وهي تنتصر لأنفسها وأشخاصها وعصبيتها، وتنتصر لمن أزَّها وخدعها، أين العقول؟ فأي جهاد أو نصر في تفجير النفس في جموع المصلين داخل المساجد وهم يصلون صلاة الجمعة؟ أين هذا مع ما ورد من النهي في ديننا عن قتل الرهبان في كنائسهم؛ فكيف بقتل المصلين في المساجد وبيوت الله، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: (ومن دخل المسجد فهو آمن).

وقال: "نعوذ بالله من الفتن؛ فإذا استُحلَّ الغدر بالمصلين في المساجد فماذا بقي؟ حرمات تنتهك بآراء كاسدة، وتأويلات فاسدة، وجهالات متراكمة؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ترك قتل مَن حَلّت دماؤهم من المنافقين الذين جادلوه في شرعه واتهموه في أمانته وعرضه؛ قائلاً: (لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)، ونعوذ بالله من زيغ القلوب، والقولِ عليه بلا علم. وقد علم كل ذي عقل وبصر أن المستفيد من هذا كله هم أعداء الأمة، ومن يدفع هؤلاء ويؤزهم".

وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام: "إن مما يشرح الصدر ويزيد الطمأنينة أن هذه البلاد الكريمة قد ابتليت بهذا النوع من المواجهات من قِبَل تنظيم القاعدة، وخاضت الدولة لعدة سنوات حرباً مفتوحة مع خلايا هذا التنظيم بكل توفيق واقتدار، من غير أن ينال ذلك من طمأنينة المواطن والمقيم، وأمنه، وتنميته، وتوفير العيش الكريم له، ولقد قال قائد هذه المعركة الباسل ولي العهد الأمين وزير الداخلية المسدد حفظه الله ووفقه: "إن المملكة واقفة بقوة ضد الإرهاب، ولن تزعزعنا مثل هذه الحوادث, مررنا بحوادث أكبر والحمد لله، الوضع تحت السيطرة، وإن حدث شيء سنتعامل معه في حينه".

وأبان أنه يجب أن يدرك مواطنو هذا البلد والمقيمون فيه، أن مَن يملك الإيمان، والصبر، والعزم، والرؤية، والإرادة؛ فهو الظافر المنتصر بإذن الله، كيف وقد عُلم أن هناك دولاً كثيرة وكبيرة خاضت وتخوض مثل هذا الحروب، وتمتد محاربتها لها السنوات تلو السنوات ضد جماعات إرهابية وعصابات إجرامية.

وقال: "إنهم يعلمون قوة هذه الدولة المباركة وصرامتها وحزمها ويقظتها، ودقة عملها، وجاهزيتها، وعالي تدريبها، ولله الحمد والمنة؛ ولكنهم يريدون بأعمالهم الحقيرة إشاعةَ الفوضى، وزرعَ الفتنة بين فئات الشعب وطبقاته؛ فعملهم عمل جبان؛ فهم يتسللون كاللصوص وقطاع الطرق ليغتالوا المسلمين المسالمين والمصلين المتعبدين؛ ولكنها مخذولة ولله الحمد، وردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيراً؛ فلم تر إلا تماسك المجتمع بكل أطيافه ومذاهبه ضد هذه الأعمال المنكرة؛ لأن الجميع في مركب واحد".

وأكد الشيخ "ابن حميد" أنه مما ينبغي التنبه له والتنبيه إليه في هذا المقام: الحذر من التصعيد بالكلام، والتنابز بالانتماءات، ونبش ما في بطون الكتب، واستنطاق ما في المدونات مكتوبها ومسموعها؛ فهذا لا يزيد إلا وبالاً، وهو جدير بخرق السفينة، والتشويش على حسن المسيرة.

وقال: إن من البلاء أن يكون أمن البلاد والعباد سلعة يتاجر بها مغرض، وفرصاً ينتهزها مشبوه، ويسير في ركابها جاهل، وقال معاليه: "من الانتهازية: الزعمُ بأن لمناهج التعليم أثراً في هذا الباب، أو الغمز واللمز بأهل العلم ومواقفهم. وقد علم الجميع أن هؤلاء الإرهابيين لا جنسية لهم ولا انتماء علمياً لهم؛ فمناهجنا نَهَل منها كل أبناؤنا وبناتنا في شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها ووسطها وأطرافها منذ قيام هذه الدولة المباركة؛ بل إن رجالات الدولة ووجهاءها ورجال أعمالها وأهل العلم والرأي والفكر فيهم كلهم أبناء هذه المناهج، أما الإرهابيون فانظروا في مواقع الفتن، إنهم إلى كل جنسية ينتمون، إلى عربية وإسلامية وأجنبية؛ فأين تعلم هؤلاء؟ وعلى أي المناهج تربوا؟".

وقال: فانظروا نظر العاقل الحصيف إلى أحوال البلاد المضطربة من حولنا، وما يعانيه أهلها من كَبَد العيش وبؤس الحياة؛ فالناصح المخلص لدينه ووطنه وأمته هو مَن يجمع الكلمة ولا يفرّقها، ويدحر الفتن ولا يوقدها، ولا يقدم مصالحه الخاصة على مصلحة أمته ودينه ووطنه، قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.. ألا فاتقوا الله أيها الناس، واتقوا الله أيها الشباب، ولا تكونوا فريسة للشيطان وأعداء الدين والأمة، فيجتمع عليكم خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في الشيوخ والشباب، واتقوا الله في المسلمين والمسلمات، والبنين والبنات، اتقوا الله في الشيوخ الركع، والأطفال الرضع، اتقوا الله في الدماء المعصومة، والأموال المحترمة، اتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة، اتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.