تفرض مسميات "الدول المتقدمة" و"العالم الأول" و"العالم الثالث" و"الدول النامية" نفسها على وسائل الإعلام كافة، حيث تتصدر عناوين الصحف والمجلات، وتقتحم نشرات الأخبار، وتتردد على لسان الناشطين الاجتماعيين ومذيعي البرامج والمعلقين الرياضيين، وتخترق أسطر المقالات والتحليلات. كما تجد هذه المسميات مكانها البارز والواضح، في أحاديث المثقفين والسياسيين وكذلك الاقتصاديين، ويستخدمها عامة الناس على مختلف ثقافاتهم، إذا أرادوا عقد مقارنة بين ما يجري في الدول المتقدمة، وما يحدث في دول "العالم الثالث" تجاه أمر ما، لإبراز الفارق الكبير في آلية التعامل مع الأمر ذاته، للوصول إلى حقيقة أن دول العالم الثالث غارقة في بحر من التخلف والجهل، أمام دول العالم الأول.
تاريخ التسميات وبرز مسمى "العالم الأول" أو المعسكر الرأسمالي أو المعسكر الغربي خلال الحرب الباردة، حيث كان يستخدم لوصف الدول المتحالفة مع الولاياتالمتحدة، وهي دول ديمقراطية ورأسمالية، ظهرت جليًا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، ونهاية الحرب الباردة، ومع مرور الزمن، تغير معنى مصطلح "العالم الأول"، وأصبح معناه مترادفًا إلى حدٍ ما ل"الدول المتقدمة" أو "الدول المتقدمة جدًا"، التي تتمتع باقتصاد متقدم ومؤشرات تنمية بشرية عالية.
بينما يتم تعريف مسمى "العالم الثالث" على أنه مصطلح سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، يقصد به الدلالة على الدول التي لا تنتمي إلى العالمين الأول والثاني، ويقصد به الدول الصناعية المتقدمة. واستُعمل تعبير "العالم الثالث" للمرة الأولى سنة 1952 في مقالة صدرت للاقتصادي والسكاني الفرنسي "ألفريد سوفيه" في إشارة إلى الدول التي لا تنتمي إلى مجموعة "الدول الغربية" (أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وأستراليا واليابان وجنوب إفريقيا)، ولا إلى مجموعة الدول الشيوعية (الاتحاد السوفيتي والصين وأوروبا الشرقية).
وقد استوحى "سوفيه" هذه التسمية من الفئة الثالثة في المجتمع الفرنسي أثناء النظام القديم وقبل الثورة الفرنسية.
وأحيانًا يطلق على هذه الدول مصطلح "الدول النامية"، وهي دول ذات مستوى معيشي منخفض، مقارنة بالدول المتقدمة، ولا يستقيم فيها التوازن بين سرعة نمو السكان ودرجة التقدم الاقتصادي، وتعاني هذه الدول التخلف الاقتصادي والاجتماعي وتراجع التنمية، وبين العالم الأول، والعالم الثالث، تتوسط دول العالم الثاني، ويقصد بها دول المعسكر الشيوعي أو المعسكر الشرقي، التي تتميز باقتصاد قوي، ونشأ مصطلح العالم الثاني بسبب الحرب الباردة، وقد تراجع استخدام هذا المصطلح بشكل كبير منذ ثورة 1989، على الرغم من ذلك فإنه لا يزال يستخدم لوصف الدول التي ما بين الفقر والرخاء.
الدول الفقيرة ويرى أحد الناشطين الاجتماعيين أن مصطلح "العالم الثالث"، هو مسمى مؤدب وخلوق، يطلق على دول متخلفة ومتأخرة في كثيرٍ من المجالات، ولديها عشرات أو مئات المشكلات التي تقيد انطلاقها، وتحد من تطلعاتها إلى مصاف العالم الثاني أو الأول، ويقول: "منذ تقسيم الدول بين ثلاث فئات، في منتصف القرن الماضي، لم نشهد أي تحولات حقيقية تصعد بأمة أو بلد ما من فئة إلى أخرى أو العكس، وبقيت هذه الدول محافظة على تصنيفها وأسلوب حياتها، فبقيت الدول المتقدمة على حالها، وربما تزداد تقدمًا على تقدمها، فيما بقيت الدول الفقيرة والمتخلفة على حالها، بل ازدادت تخلفًا على تخلفها، في إشارة واضحة إلى أصابع خفية تريد أن يبقى الأمر على ما هو عليه، ولا مجال أن تتقدم دولة من العالم الثالث النامي، إلى محيط العالم الأول أو الثاني".
تصنيف دول الخليج ويؤكد مهندس سعودي أن "دول الخليج على الرغم مما تشهده من تقدم وتطور، فهي مدرجة ضمن العالم الثالث أو الدول النامية، وهذا ربما يكون تصنيفًا ظالمًا، بسبب مساواة هذه الدول مع دول أخرى تعاني الفقر والعوز والجهل"، مشيرًا إلى أن "بعض دول العالم الأول تستغل هذه المسميات، للضغط على الدول الأقل منها تصنيفًا، والاستفادة منها في بيع برامج التكنولوجيا والعلم لها، وتسويق العديد من المنتجات والصناعات بأسعار مرتفعة تحت داعٍ أنها من إنتاج دول العالم الأول، في الوقت نفسه تعمل دول العالمين الأول والثاني على حرمان دول العالم الثالث من أسرار العلم والتكنولوجيا، حتى لا تتطور أو ترتقي بذاتها، وتبقى دولاً مستهلكة ومستوردة، فيما تبقى هي دولاً مصنعة ومصدرة".
ويضيف ،"دول الخليج اليوم أمام فرصة ذهبية حقيقية، إن هي استغلت جزءًا من دخل النفط، وأحدثت به ثورة علمية في مناهجها ومراكزها العلمية، وطورت إمكاناتها وقدراتها، ضمن مشروع استراتيجي ضخم، يحولها من دول العالم الثالث، إلى دول العالم الثاني، ثم الأول"، مشيرًا إلى أن "هذه الفرصة قد تكون متاحة اليوم، لوجود دخل جيد من بيع النفط وإن قل سعره إلى النصف، فيما لن تكون الفرصة متاحة في المستقبل، في حال تراجع أسعار النفط، وظهور بدائل للطاقة الأحفورية، الأمر الذي قد يهدد دخل دول الخليج مستقبلاً وبالتالي يؤثر على مشروعاتها".