استثارتني «تغريدة» لأستاذنا الصحافي الكبير يوسف الكويليت الثلثاء الماضي. الكويليت طرح تغريدته في شكل تساؤل، فقال: «بأي تصنيف تضع وطننا، من العالم الثالث أو الثاني أو الأول، وهل تسير خططنا بالطريق الصحيح؟». ولأنه ليست لي خبرة أستاذنا الكويليت في السياسة، وتقسيمات العالم إلى أول وثان وثالث، فستقتصر مقالتي على توضيح كيفية تصنيف البلدان اقتصادياً بحسب المتعارف عليه إلى دول نامية، وأخرى متقدمة، وهو ما لا يجهله كاتب افتتاحية «الرياض»، ولكنني أردت توضيحه في المقالة، تعميماً للفائدة، وإجابة على سؤال «التغريدة»، والتي لا يمكن الرد عليها بمثلها، لأن الرد يستلزم شرحاً وتوضيحاً لا يمكن ل«تويتر» تحمله. اقتصادياً، يقوم تقسيم الدول إلى «نامية» و«متقدمة» على مؤشرات، أولها حجم الناتج المحلي الإجمالي (GDP) للدولة، وهذا التقسيم يهتم بالمستوى الكلي للاقتصاد، فغالباً توصف الدول التي تحقق ناتجاً إجمالياً كبيراً بأنها دول متقدمة، في حين توصف الدول التي تكون نواتجها المحلية قليلة بأنها دول نامية. ووفق هذا التصنيف لا يمكن اعتبار المملكة، أو أي من الدول العربية بأنها دولة متقدمة، عند مقارنة نواتجها المحلية على سبيل المثال بأميركا أو ألمانيا أو اليابان. وثانيها، مستوى الدخول الفردية لمواطني الدولة، فكلما زاد الدخل الفردي لأفراد مجتمع ما، فالغالب أن الدولة توصف في هذه الحال بأنها دولة متقدمة، وبحسب هذا التصنيف، فلا تردُد في وصف بلدان الخليج عموماً بأنها دول متقدمة، لأن دخول مواطنيها مرتفعة، بل وتحتل بعض دولها مراكز متقدمة جداً في هذا التصنيف. عموماً، كلا المعيارين له عيوبه، فالتصنيف بحسب الناتج يُدخل دولاً مثل تركيا، إندونيسيا، الهند، وغيرها في تصنيف الدول المتقدمة، وهو ما ينافي الحقيقة، لأنه لا يقيس جودة معيشة المواطن أو ما يعرف ب«wel being»، في حين يجعل التصنيف الثاني دولاً صغيرة مثل الدول الاسكندنافية وبعض دول الخليج العربي، متفوقة على أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وهو أمر لا يمكن قبوله كحقيقة أيضاً، لذا تلجأ كتب التنمية إلى إضافة معيار ثالث، وهو كبر حجم إسهام الناتج الصناعي في تكوين الناتج المحلي، فكلما ارتفع إسهام الصناعة في الناتج المحلي للدولة وصفت الدولة بالمتقدمة، في حين تعتمد الدول النامية عادة على كبر حجم الإنتاج الزراعي، أو تصدير المواد الخام. أما المعيار الثالث فشبه متفق عليه بين الاقتصاديين، ومتى توافرت المعايير الثلاثة مجتمعة فهذا أفضل وأكثر تأكيداً على صدقية التصنيف، وإن تخالف الأول مع الثاني، فيلجأ إلى الثالث للحكم. وترتبط بالتصنيف الثالث الطريقة المستخدمة في تكوين الناتج المحلي، فكلما كان إنتاج الدولة الصناعي كبيراً، ويعتمد على الآلة والتقنية، كلما استحقت الدولة وصف المتقدمة، وعلى العكس، فكلما كان إنتاج الدولة زراعياً، أو في شكل مواد خام، لا تتضمن أية قيمة مضافة، كلما استحقت الدولة وصف النامية، وتكون طريقة إنتاج الدول النامية عادة للمنتجات الزراعية والمواد الخام كثيفة في استخدام قوة العمل. وبالمعيار الأخير، وعلى رغم ارتفاع الدخول الفردية لدول الخليج، وخصوصاً في قطر والإمارات والكويت، التي تأتي في مرتبة متقدمة من التصنيف العالمي، ومن بعدها دول السعودية وعُمان والبحرين التي تحتل مراكز وسطى بحسب قائمة الدخول الفردية، إلا أن ذلك لا يعني أن هذه الدول أصبحت متقدمة، فالإنتاج الصناعي ذو القيمة المضافة ما زال ضئيلاً وصغيراً في هذه الدول، وما زالت دول الخليج تعتمد اعتماداً شبه مطلق على إنتاج وتصدير النفط والمعادن في شكلها البدائي والخام. وعلى رغم أن إنتاج النفط يعتمد على استخدام الآلة والتقنية، إلا أن عدم التصنيع في هذه الدول يجعلها غير مؤهلة حالياً على الأقل لاكتساب صفة «المتقدمة»، بحسب التقسيم الاقتصادي والتنموي، الذي لا علاقة له بالتقسيمات السياسية كما ذكرت آنفاً. وأما الجزء الثاني من «تغريدة الكويليت»، فلا أعتقد أن هناك شخصاً مؤهلاً أكثر منه للإجابة على سؤاله، ونحن بانتظاره. * أكاديمي سعودي متخصص في الاقتصاد والمالية. ibnrubbiandr@