ردّ الكاتب المعروف طراد العمري على ما ذكره المرشد الإيراني على خامئني في خطابه الذي ألقاه أخيراً. وقال "العمري" في مقاله الذي نُشر اليوم تحت عنوان "لماذا لا نحتوي إيران؟" أن بين السعودية وإيران خلافات واختلافات متعددة، وعلى رأسها المناكفة السياسية، لكن تذويب أو تخفيف تلك الخلافات لا يتم عبر الصحف ووسائل الإعلام، وبالتأكيد ليس عبر استدعاء التاريخ في الفروقات بين الطائفتين السنية والشيعية، وأسباب العداوة التاريخية. بل بالتفنيد والمعالجة والبناء على المشتركات وحل المعضلات وتذليل العقبات. وأكد أن فرص التقارب السعودي الإيراني اليوم أفضل منها في أي وقت مضى أو سيأتي، حتى لو تعالت الأصوات هنا أو هناك. فالدولتان في موقف سياسي مناسب؛ لكي تلتقيا علناً وتبحثا نقاط الخلاف والاختلاف.
وقال: الشجاعة والحكمة السياسية متوافرة لدى القيادتين، مما ينعكس إيجاباً على المنطقة استراتيجياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.
وبيّن أن "عاصفة الحزم" وعاصفة النووي أوصلتا الطرفين إلى أفضل حالات التلاقي السياسي، فكل من الدولتين يشعر بنشوة النصر التي يجب أن تستغل إيجابياً.
الحزم أبو العزم أبو الظفرات، شطر نظم عنون عاصفة الحزم، لكن معها تصاعدت حدة الخطاب الإعلامي بين السعودية وإيران، وزاد من حدة ذلك الخطاب اتفاق الإطار بين القوى الست الكبرى وإيران في لوزان. كل طرف يمنطق لنفسه أسبابه الخاصة، وذلك أمر طبيعي، لكن هناك من يرى أنه لا داعي لذلك الخطاب المحتقن بين دولتين إسلاميتين جارتين تتشاركان في العقيدة والجغرافيا والتاريخ والسياسة والثقافة والمجتمع. صحيح أن بين السعودية وإيران خلافات واختلافات متعددة وعلى رأسها المناكفة السياسية، لكن تذويب أو تخفيف تلك الخلافات لا يتم عبر الصحف ووسائل الإعلام، وبالتأكيد ليس عبر استدعاء التاريخ في الفروقات بين الطائفتين السنية والشيعية، وأسباب العداوة التاريخية. بل بالتفنيد والمعالجة والبناء على المشتركات وحل المعضلات وتذليل العقبات. ولذا، فإننا نجادل بأن العملية العسكرية في اليمن، والاتفاق النووي في لوزان، أدعى إلى التهدئة والاحتواء، وليس العكس.
توقفنا كثيراً عند مصطلح "البدعة" في كلمة سماحة الإمام السيد علي الخامنئي، قدّس الله سره، فوجدنا أنها من أكبر المغالطات في التاريخ. يعرف سماحته تمام المعرفة أن "الثورة الخمينية" هي البدعة السيئة في التاريخ السياسي الحديث وعلى رجال الدين في "قم" وزرها ووزر من اتّبعها إلى يوم القيامة. تلك طالبان تنشد إمارة إسلامية في أفغانستان، ومثلها حماس تحاول في إمارة إسلامية في غزة، وأولئك "الإخوان" يعانون بسبب مشروعهم الديني/ السياسي، أما الأكثر وضوحاً فهي "داعش" التي تنشد دولة إسلامية في العراق والشام، وأخيراً، إسرائيل التي تحولت مؤخراً إلى المطالبة بالاعتراف بها كدولة دينية يهودية. وأطلب من سماحته قراءة ما كتبناه "هل الثورة الخمينية إلى زوال؟" (صحيفة الجزيرة، الجمعة، 20 مارس، 2015م). أما بقية حديث سماحة المرشد وأسلوب الإسفاف فيه، وقبل ذلك سماحة السيد نصر الله، فسنترفع عن الرد عليه؛ لأنه متوقع تماماً، وواحد من الأدلة على صواب ما قامت به السعودية في حفظ مصالحها، أما ارتفاع درجة الإسفاف وحدة الخطاب فكان نتيجة عنصر المفاجأة، فالصراخ على قدر الألم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
بحثنا كثيراً لتحليل واستيضاح الخلاف السعودي الإيراني، فلم نجد ما هو عصي على الحل بالطرق والوسائل الدبلوماسية والسياسية. ما قرأناه وسمعناه وشاهدناه في الإعلام من الطرفين كان غير مشجع. فقد وصل الخطاب من البعض إلى حد الإسفاف في الألفاظ والمصطلحات وسب للرموز السياسية بشكل يدعو للأسف. كما فشل معظم الكتاب والأكاديميين والإعلاميين، والسياسيين كما أسلفنا، في تصميم خطاب تحليلي نقدي موضوعي لتوضيح الخلاف. الأسوأ من ذلك، أن كلاً منهم يتصور خطئاً أن الإسراف في الإسفاف هو عنوان للوطنية والولاء والانتماء. ما لا يعرفه كثير من أولئك هو أن إيغار صدور العامة وتأليبهم سيشكل عقبة كؤوداً أمام الساسة مستقبلاً عندما تتغير الأحوال وتتبدل الأولويات. فمن حق السياسي أن يصرّح بما يشاء على الأحداث السياسية لسببين: الأول أن حجم ونوع المعلومات والأهداف المراد تحقيقها لدى السياسي ليست متوافرة لغيره من المحللين والكتاب والعامة. الثاني أن للسياسي رسائل خاصة يوجهها للخصم أو للآخرين ذات لغة دقيقة وموزونة يعرفونها حق المعرفة، ويمكنهم حل رموزها خلال مباحثات ثنائية أو في الغرف المغلقة.
ما نجادل به هنا أن فرص التقارب السعودي الإيراني اليوم أفضل منها في أي وقت مضى أو سيأتي، حتى لو تعالت الأصوات هنا أو هناك. فالدولتان في موقف سياسي مناسب لكي تلتقيا علناً وتبحثا نقاط الخلاف والاختلاف. الشجاعة والحكمة السياسية متوافرة لدى القيادتين مما ينعكس إيجاباً على المنطقة استراتيجياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً. "عاصفة الحزم" و"عاصفة النووي" أوصلتا الطرفين إلى أفضل حالات التلاقي السياسي، فكل من الدولتين يشعر بنشوة النصر التي يجب أن تستغل إيجابياً.
عاصفة الحزم، من ناحية، هي عملية سياسية عسكرية تدافع عن المصالح الاستراتيجية السعودية، التي تشمل إضافة لليمن دول الخليج العربي العربية، وتشكل مجتمعة خطوطاً حمراء لا تسمح السعودية بالمساس بها من قريب أو بعيد من دولة خارجية سنية كانت أو شيعية. كان الوضع كذلك مع مصر/ اليمن في الستينيات، والعراق/ الكويت في التسعينيات، وإيران/ البحرين في العام 2011م، وإيران/ اليمن في 2015م. مع انطلاق العاصفة وصلت الرسالة المراد إيصالها إلى الجميع، وحققت العاصفة أهم أهدافها، وهي أن السعودية ستفعل وبحزم ما تردده قولاً عن أمنها ومصالحها الاستراتيجية. سرعة اتخاذ القرار وقوة رد الفعل تجاه الانفلات الأمني والسياسي في اليمن كانتا رسالة كافية ليس إقليمياً بل دولياً بأن السعودية إذا قالت فعلت. وهذا نصر سياسي جديد من ملك جديد في عهد جديد.
عاصفة النووي، من ناحية أخرى، امتدت اثني عشر عاماً بين إيران والقوى الست الكبرى، وفي حال توقيع الاتفاق النهائي تكون إيران قد حققت أهم أهداف النووي، وهو الاعتراف الذي تسعى إليه بعد عزلة دولية طويلة. اتفاق الإطار وما رشح عنه يؤكد ثلاث قضايا: الأولى: عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، على الأقل في العشر سنوات التي تعقب التوقيع النهائي، مع تفتيش دقيق لكل المنشآت والأبحاث والمشتريات المتعلقة بالبرنامج النووي. الثانية: رفع العقوبات الصادرة من مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الخاصة بالنووي وإعادة الأموال الإيرانية المجمدة. القضية الثالثة: السماح لإيران بالمضي في أبحاثها النووية للأغراض السلمية. وبالتالي، فإن إيران حققت نصراً سياسياً، كما تراه هي، ولكي تكتمل أهداف النصر لا بد لإيران من السعي لعلاقات حسن جوار مع السعودية التي يصعب على إيران أو الشعب الإيراني تجاهلها لبناء المستقبل.
إيران دولة جارة تتقاسم السعودية وإياها الدين والتاريخ والجغرافيا بكل ما تعنيه المصطلحات من معنى. إيران دولة تصل مساحتها إلى أكثر من (1.650.000) كم مربع، وشعب يصل تعداده قرابة (80) مليون نسمة، وموارد طبيعية في النفط والغاز يضعها في المرتبة الرابعة في العالم، واقتصاد نفطي يجعلها في المرتبة الثانية، وناتج قومي يصل إلى قرابة التريليون دولار. إيران بحاجة ماسة إلى الانفتاح على العالم بعد 36 عاماً من الحصار المفروض عليها. ولذا فإن إيران أمامها عمل مضنٍ وشاقّ داخلياً في التنمية وتحديث البنية التحتية، خصوصاً، وأن الأجيال الجديدة في إيران لها متطلبات كثيرة تختلف كلياً عن متطلبات أجيال الثورة.
لقد جادلنا في أكثر من مقام بأن إيران لا تستطيع بأي حال من الأحوال الجمع بين أربع قضايا: 1- الصرف على التنمية الداخلية وتحديث البنية التحتية للاقتصاد والمجتمع الإيراني الذي بلغ حد الاهتراء. 2- الصرف على برنامجها النووي والأبحاث والتطوير حسب المعايير العالمية مهما كانت الأغراض. 3- الصرف على تحديث قواتها المسلحة بأفرعها الكثيرة والمختلفة التي تقادمت في التقنية والمنهج ولم تعد ذات تأثير استراتيجي فعّال ناهيك عن الدخول في سباق تسلح إقليمي. 4- الإنفاق على حركات تحرر وفصائل وأنظمة منشقة في العالم العربي أو غيره؛ لتسويق أو تصدير عقائد ومبادئ.
لو حاولت إيران ذلك، فسيصيبها حتماً ما أصاب الاتحاد السوفيتي السابق من تفكك بعد أن أنهكه أمران: الأول: دعم ما سمي حركات التحرر في العالم الثالث حينئذ؛ الأمر الثاني: سباق التسلح مع أمريكا والغرب إبان الحرب الباردة الثانية التي أطلقها الرئيس الأمريكي رونالد ريغان. ما هي النتيجة؟ تفكيك للاتحاد السوفيتي على يد ميخائيل جورباتشوف.
في المقابل، لدى السعودية من أسباب الخصومة مع إيران الشيء الكثير، كما لدى إيران من التبريرات ومسببات الخصومة ما يعيدنا إلى جدلية "البيضة والدجاجة"، وستستمر الدولتان في خصومات سيضحك منها التاريخ مستقبلاً. الخلاف بين إيران والسعودية سياسي بامتياز، وإذا تم حله فكل المسائل الأخرى ستتهاوى. نحن نجزم بأن الخلاف الحقيقي بين الدولتين لا يشكل أكثر من (20%) من وزن الخصومة بين الدولتين، أما (80%) فهي عوامل نفسية جانبية تذوب مع أول لقاء حقيقي وصادق بين السياسيين في البلدين. المثير والمضحك المبكي أن ثنائية السعودية وإيران في الدين والتاريخ والجغرافيا معروفة لدى جميع دول العالم تقريباً، ولذا عملت ولعبت بعض الأنظمة العربية والدولية على تلك الثنائية التي تبدو متضادة.
تلك الثنائية تطرح إشكالية يجب على الأكاديميين والباحثين ومراكز الدراسات النظر إليها وبحثها.. ما الذي يجعل من نظام عربي يؤمن، كما يدّعي، بالقومية العربية ويحكم شعباً عربي الهوية سواء في سوريا أو العراق أو اليمن بأن يرتمي في أحضان إيران؟ سؤال هوية وولاء وانتماء حاولت أن أجد إجابته عند أستاذي د. عبدالله الغذامي ولكن لم يسعفني الوقت. السؤال الثاني: إذا كانت هذه الأنظمة العربية اصطفت مع السعودية في السابق بحكم انتمائها القومي والسياسي، ثم انتقلت إلى صف إيران لاحقاً بحكم ما هو معروف من خصومة، فكيف يتم تفسير ذلك؟
لقد جادلنا في مقال سابق "اتحاد السعودية مع إيران" (الحياة، 10 مارس 2014م)، كما كتبنا مقالة تساءلنا فيها "هل الثورة الخمينية إلى زوال؟" (الجزيرة، 20 مارس 2015م)، وهناك فرق بين الثورة كوسيلة والدولة كغاية. أما اليوم فإننا نجادل بأهمية احتواء إيران، فالسعودية أحق بعلاقات ممتازة مع إيران من روسيا والصين وأمريكا والإتحاد الأوروبي وتركيا. ليس هناك من توقيت أفضل من هذا التوقيت للجلوس على طاولة واحدة بين القيادتين السياسيتين: الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس حسن روحاني، بعيداً عن كل الوسطاء من أي من الفرقاء. السعودية منتصرة اليوم بتحقيق أهم هدف وهو رسالة عاصفة الحزم، وإيران منتصرة بتحقيق أهم هدف في عاصفة النووي، وعندما يجلس رأس الدولتين وكل منهما منتصر تزول كل العقبات النفسية.
أخيراً، إيران لا ينطبق عليه مسمى العدو، كما يجادل البعض من الكتاب، ولا يمكن أن تكون، فمصطلح العدو مفهوم عميق وواسع الدلالة في الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية. إيران خصم سياسي عنيد تهدف قيادته الدينية/ السياسية إلى قطف ثمار الثورة، بأن تصبح إيران الجديدة دولة معترفاً بها ومرحباً بها من جيرانها العرب وخصوصاً السعودية. لا أظن أن إيران مهتمة بمن تشيّع في العالم، إلا بما تقتضيه "بروباغندا" مثاليات الثورة. ولا يهم إيران أن تجمع ضمن مجالها الحيوي أو يصبح لديها نفوذ مع أنظمة عربية مهلهلة سيلفظها التاريخ ويتجاوزها الزمن. المؤكد أن إيران مهتمة بعلاقات متميزة مع السعودية، والمؤكد أنها سعت إلى تلك العلاقات لكن بأساليب غير مناسبة. المناكفة السياسية تحصيل حاصل في العلاقات الدولية، وإيران قد تناكف هنا أو هناك، والسعودية أيضاً، لكن أي من الدولتين لن ترتكب أي خطأ استراتيجي مما يسوق له بعض الكتاب الذين يهرفون بما لا يعرفون.
ختاماً، لو أن كلا الدولتين أخذت بالقيم المشتركة في أن الفضل لمن يبدأ الخطوة الأولى لتسابقت القيادتان وإستقرت الدولتان، وازدهر الشعبان. فالترك أبو الفرك أبو الحسرات.
*مركز سعيد العمري الاستراتيجي [email protected] Saudianalyst@