اختتمت اليوم الأربعاء أعمالُ ملتقى المسؤولية الاجتماعية، الذي تنظمه الغرفة التجارية الصناعية بالمدينةالمنورة، بالتعاون مع مجموعة "xs" بالجلسة الثالثة التي ترأسها الأمين العام للغرفة التجارية الصناعية بالمدينة "علي عواري"، بعدد من التوصيات التي اتفق عليها الخبراء. تناولت الجلسة في مجمل أوراقها طبيعة مشاريع المسؤولية الاجتماعية لدى الشركات، شخّص خلالها المستشار التنفيذي في شركة نماء المنورة "الدكتور محمد مصطفى محمود"؛ أهم الأسباب التي تدفع الشركات إلى اتباع ممارسات أنشطة المسؤولية الاجتماعية.
وأشار إلى أن الحوكمة في مجملها عبارة عن: مجموعةٍ من القوانين والنظم والقرارات التي تحكم التعارض وتضمن استمرارية المؤسسة في المدى البعيد، منوهاً إلى أن الهدف من الحوكمة إدارة العمل في المؤسسات؛ ما يحقق الشفافية والعدالة وتنمية الاستثمار وتعظيم الربحية وزيادة فرص العمل.
فيما استعرض عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالمدينةالمنورة "أيمن سمارن"؛ أهم مشاريع المسؤولية الاجتماعية في المشاريع الصناعية، لافتاً إلى أن تنمية الأفراد ومحاربة البطالة وتحسين بيئة العمل والتدريب من أهم المجالات التي يمكن للشركات والمؤسسات الصناعية تحقيق المسؤولية الاجتماعية.
وأكد أن تشجيع الشباب على إنشاء مشاريع خاصة بهم عن طريق "الفرنشايز"؛ جزءٌ مهم من عمل المسؤولية الاجتماعية للشركات، منوهاً إلى المشكلات التي يعاني منها الشباب الباحثون عن العمل في القطاع الخاص من ناحية الاستقرار الوظيفي واستمراريته من حيث الترقية والحوافز، مؤكداً ضرورة معالجة هذه المشكلات لاجتذاب المزيد من الكوادر الوطنية في شركات ومؤسسات القطاع الخاص، باعتبار أن ذلك من صميم المسؤولية الاجتماعية.
وبدوره، أوضح أستاذ العمارة والتخطيط بجامعة طيبة سابقاً "الدكتور بكر عبدالحليم هراس"، في ورقته؛ أن المسؤولية الاجتماعية في قطاع العقارات تعتمد بالدرجة الأولى على مدى تصالحنا مع البيئة والحفاظ على الصحة والجمال، ومدى ملائمته للحاجة.
وأكد أن غياب المسؤولية الاجتماعية في المجال العقاري أظهر الفجوة العميقة للعقارات بانفصالِ قاطنِي المباني عن صناعة البناء، وكانت النتيجةُ تشييدَ مبانٍ تَبْلَى قبل الأوان وضياع كمية ضخمة من الموارد، مبيناً أن المسؤولية الاجتماعية تساهم في تقليل التكاليف والحفاظ على البيئة والموارد.
وناقشت الجلسة الرابعة التي ترأسها عضو مجلس الشورى "الدكتور نجيب بن عبدالرحمن الزامل": "طبيعة مشاريع المسؤولية الاجتماعية"، أكد خلالها رئيس مجلس الأمناء بجامعة الأمناء الأهلية بجدة "الدكتور عبد الله صادق دحلان"، على ضرورة استخلاص نسبةٍ من أرباح الشركات لضمان استدامة المسؤولية الاجتماعية.
وشدد على أهمية وضع تقنين وتنظيم تلك المسؤولية الاجتماعية؛ لضمان الانتقال السلس لمفاهيم المسؤولية الاجتماعية وتنزيلها على مجالس المناطق؛ ما يعزز الفهم.
وحدّد "الدحلان" تجربة المسؤولية الاجتماعية قائلاً: "نحن ننفخ في قربة مخروقة"؛ في إشارة إلى أنه ليس هناك مفهوم واضح للمسؤولية الاجتماعية، بل هناك خلط بين المسؤولية الاجتماعية والعمل الخيري، مؤكداً أنه إذا لم تضع الدولة قانوناً يُلزم شركات قطاعات الأعمال بقطع جزءٍ من أرباحها لبرامج المسؤولية؛ فستكون أسيرة أهواء مجالس إدارات الشركات ومديريها، ومديريها التنفيذيين.
وقال: إن المسؤولية الاجتماعية ليست صدقة تُجْبَى للمحتاجين والفقراء؛ وإنما مفهوم وثقافة وعمل مؤسساتي يحتاج إلى تقنينٍ وتنظيم، مشيراً إلى أن ما نسبته "80%" من الشركات لا تُلْقِي بالاً للمسؤولية الاجتماعية .
ونوه "الدحلان" بأسماء؛ مثل: وزير المالية الأسبق في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز– رحمه الله-، والشيخ عبدالله السليمان، وأسماء أخرى، وشركات تتكرر دوماً، لعبت دوراً في تفعيل مفهوم المسؤولية الاجتماعية، متسائلاً عن بقية الشركات الخاصة التي تملك قدرة وملاءة مالية قوية في غياب دورها عن المسؤولية الاجتماعية .
وأشار إلى أن المسؤولية الاجتماعية تتمثل في الإدارة الجيدة للأوقاف بفكر اقتصاديٍّ متنامٍ يقرأ احتياجات الواقع؛ ما يؤكد استمرارية الأنشطة الاجتماعية، بفعل مجتمعي، يعزز من ثقافة المسؤولية الاجتماعية . وفي سياقٍ مرتبط أكد مدير عام الشؤون الاجتماعية بالمدينةالمنورة "علي بن غرم الله الغامدي"؛ أن الفجوة لا تزال كبيرة، رغم مساهمة عددٍ من الشركات والقطاع الخاص في مجال المسؤولية الاجتماعية، مشيراً إلى أهمية التعاضد والتكاتُف بين القطاعين العام والخاص في إيجاد دورٍ للمسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات لمجتمع المدينةالمنورة .
فيما تناول رئيس لجنة الأوقاف بالغرفة التجارية الصناعية بالرياض "بدر الراجحي"؛ الرؤية المستقبلية في التكامل بين الوقف الخيري والمسؤولية الاجتماعية، منوهاً إلى أن الشركات تستطيع أن تلعب دوراً كبيراً في تنمية المجتمع حين تقوم بدورها كما يجب في مجال المسؤولية الاجتماعية.
وأشار إلى أن النشاط في هذا المجال لم يتجاوزْ واحداً بالمائة، مبيناً أن هناك العديدَ من المعوقات التي تَحُولُ دون توسُّع نشاط المسؤولية الاجتماعية؛ مثل غياب ثقافة المسؤولية الاجتماعية، وغياب البرامج والبيئة المحفزة، وغياب الأنظمة والقوانين التي تنظم المسؤولية الاجتماعية، فضلاً عن إشكالية التكامل في جلسة التبنِّي لمشاريع خيرية مع جهاتٍ ومؤسسات أخرى.
وأوضح أن الانطلاق من خطط التنمية والتنسيق مع لجان المسؤولية الاجتماعية بالغرف؛ هو خيرُ سبيلٍ للدخول في مجالات المسؤولية الاجتماعية، مؤكداً أن التنسيق المشترك هو الذي يحول دون الازدواجية في تعزيز البرامج، مشدداً على أن الوقف واستقطاع الأموال لتوقيفها لخدمة المسؤولية الاجتماعية؛ هو خيرُ ضامنٍ لاستمرارية العمل الخيري ودَيْمُومته .
واستعرض الملتقى في جلسته الخامسة والأخيرة: تجارب بعض الشركات والبنوك الوطنية المضيئة في المسؤولية الاجتماعية، برئاسة مدير جامعة طيبة "الدكتور عدنان بن عبدالله المزروع"، كما تناول "الدكتور محمد بن ناصر بن محمود" رئيس المجلس البلدي بالمدينةالمنورة؛ دور الجمعيات الخيرية تجاه المسؤولية الاجتماعية.
فيما استعرض مدير إدارة المسؤولية الاجتماعية في البنك السعودي الفرنسي "عبد الرحمن اليوسف"؛ دور البنك في المسؤولية الاجتماعية، بجانب ما تناوله "ريان دهلوي"، عن دور البنك الأهلي في تقديم القروض والتسهيلات لقطاع الشباب والشابات، بالإضافة إلى مساهمة البنك في العمل المجتمعي.
فيما استعرض تجربة جامعة طيبة في مجال المسؤولية الاجتماعية، بإنشاء مركزٍ خاص لخدمة المجتمع، تم خلاله تقديم ما يزيد على "400" فعالية مجتمعية .
وأعلن البيان الختامي عدداً من التوصيات التي جاءت؛ أبرزها: إعداد دراسة معمقة عن المسؤولية الاجتماعية بالمدينةالمنورة، يكون هدفها التعرف على الاحتياجات الفعلية لمجتمع المدينةالمنورة، وإعداد قواعد بيانات بها واقتراح البرامج المناسبة والفعالة للإيفاء بهذه الاحتياجات، يتم إعدادها بمشاركة كل الجهات المعنية بالمنطقة "إمارة منطقة المدينة، وجامعة طيبة، والغرفة التجارية".
وأوصى بإيجاد مرصدٍ للمسؤولية الاجتماعية يضع مؤشرات لقياس أداء برامج المسؤولية الاجتماعية والعمل الخيري، وتبنِّي جائزة تمنح للشركة أو المؤسسة أو الجهة الأكثر تطبيقاً لبرامج المسؤولية الاجتماعية الأكثر فاعلية والأعمق أثراً في التنمية الاجتماعية للمدينة المنورة، وتضمين المناهج التعليمية لبرامج تعمل على ترسيخ ثقافة المسؤولية الاجتماعية.
وتضمَّنت التوصيات إنشاء كرسي خاص في جامعتَيْ: "طيبة، وجامعة الأمير مقرن"؛ لإجراء الدراسات والبحوث اللازمة لتطوير الممارسات المُثْلَى في مجال المسؤولية الاجتماعية، وإعداد دراسات علمية موجّهة نحو تقديم مخرجات نظام الخدمة المجتمعية وكيفية تطويع العمل المؤسسي لغاياتها.
وأكدت على تعزيز التزام الشركات بمختلف أنشطتها الاقتصادية بالممارسات الصحيحة تجاه البيئة والحفاظ على حق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية، والسعي لإيجاد تشريعٍ أو نظامٍ يُلْزِم الشركات الكبيرة بتطبيق ما يُعْرَفُ ب"الاحتضان المؤسسي" للشباب الخريجين ورواد الأعمال، وجعل نسبة له كنسبة التوطين.
وختاماً: أوصت بتعديل نظام الشركات بإضافة نصٍّ يحدّد نسبة مشاركة كل شركة في برامج المسؤولية الاجتماعية.