اشتكى عدد من سكان قرى قبيلة بني بحير التابعة لمركز العرضية الشمالية بمحافظة القنفذة من محرقة النفايات التي تجاور منازلهم. وقال المواطن دخيل محمد القرني إنه لم يَدُر في خلد الأهالي أبداً أنهم سيتنفسون مع فَجْر كل يوم روائح وأدخنة النفايات التي شكَّلت بؤرة فساد بيئي، ومثّلت خطراً جسيماً، ظل مؤرِّقاً لسكان القرى. بيد أن الأمر لم يقتصر على ذلك فقط بل أصبح المار عبر الطريق المجاور للمحرقة يعجز عن المرور بسبب تراكم النفايات على الطريق بشكل مقزز؛ نتيجة الإهمال المتعمَّد من قِبل عمال البلدية؛ ما جعل المار بين خيارين: إما أن يعود ليسلك الطريق الترابي الوعر، وإما أن ينزل من سيارته ليزيح أكياس النفايات؛ كي تعبر سيارته. ويقول القرني في تقريره إنّ المطالبات والشكاوى استمرت بهذا الشأن دون جدوى؛ فما زالت بلدية ثريبان تغطُّ في سباتها العميق، ولم تُلقِ بالاً للخطر المحدق الذي حلَّ بسكان القرى المجاورة؛ فلا أُذُن استمعت للشكوى، ولا عين أمعنت النظر لترى الواقع كما هو. نار موقدة لا تنطفئ.. دخان متطاير لا يتوقف.. روائح نتنة أصابت القلوب بالأمراض التي لم يضعها مسؤولو البلدية في حسبانهم، ولم يأخذوها بعين الاعتبار، وكأنهم لا يدركون الأعراض الفتاكة الناجمة عن التلوث البيئي؛ حيث كشف علماء تايوانيون عن وجود علاقة قوية بين تزايد مستويات الملوثات الشائعة والإصابة بسكتة دماغية، خاصة في الأيام الحارة، كما يسبب التلوث الأذى للمحاصيل، ويحمل في طياته الأمراض المهدِّدة للحياة. فمنذ تسوير موقع المحرقة إلى يومنا هذا والهاجس المزعج يدور في ذهن كل فرد، متسائلا: متى ستُزَال؟ ومتى سننعم بالجو الآمن النقي؟ لقد أنست هذه البؤرة القاتلة أهالي القرى حقوقهم من المشاريع الواجب تنفيذها لهم كبقية القرى من: سفلتة الطرق وإنارتها، وظل الهاجس الأوحد هو إزالة المحرقة. ومن المضحك المبكي هو انتشار خبر إزالتها قبل أيام عدة؛ فسُرّ بذلك الصغير والكبير، ولاسيما عندما دلفت معدات البلدية إلى موقع المحرقة، وحينها لم يُدرك الأهالي أنهم على موعد مع أكذوبة العام الجديد إلا بعدما رأت أعينهم ما رأت، وسمعت آذانهم ما سمعت؛ حيث أبان العمال للمواطنين أنهم أتوا مأمورين بتوسيعها لا إزالتها! لم يبلغ السيل الزبى فحسب بل بلغت القلوب والحناجر؛ فمع إشراقة كل يوم يذهب المعلمون والمعلمات والطلاب والطالبات إلى المدارس مارين بهذا المَعْلَم القاتل، يشمون سُمَّه رغماً عن أنوفهم؛ لأنها وُضِعت بجوار الطريق، ولا فكاك منها إطلاقاً، ولا يتوقف ضررها أثناء المرور بها فقط، بل يمتد إلى المدارس، كما يصل دخانها إلى داخل الفصول؛ فأي بيئة تعليمية ستحقق أهدافها إذا كان جوها العام يوحي بالخطر؟؟!! وأي طالب سيتعلم عندما يغدو ويروح مستنشقاً الروائح الكريهة؟؟! أكد ذلك مدير مدرسة هشام بن عبد الملك بفرع العبادلة علي أحمدين، وقال إنهم يعانون معاناة كبيرة مع مخلفات المحرقة وتبعاتها التي أثرت سلباً في الجو التعليمي داخل المدرسة. وذكر أن إدارته تضطر كثيراً إلى اختصار المدة الزمنية للطابور الصباحي، وأحياناً يتم إلغاؤه بسبب تصاعد دخان المحرقة وما يتبعه من روائح مؤذية؛ حيث يوجد من الطلاب من لديه أمراض كالربو والحساسية، ومنهم من يشعر بضيق في التنفس عندما يشم الروائح القذرة. كما يقول أحمد علي المُعلِّم بالمدرسة نفسها إنه سَئِم المرور عبر الطريق المجاور للمحرقة ليصل إلى مدرسته، وصار يسلك الطريق الترابي مع صعوبته وكثرة الحُفَر فيه؛ ليفر من روائح النفايات التي تُعكّر خاطره كل صباح. وأشار محمد حسين، أحد المواطنين الذين يقطنون قرية فرع العبادلة، إلى أن الخدمة الوحيدة التي قدمتها بلدية ثريبان لأهالي فرع العبادلة هي دخان المحرقة وأوساخها التي توضع على الطريق بشكل عشوائي مفتعل، بلا احترام لمشاعرهم، ودونما تقدير للزوار الذين يأتون إليهم! ويستأنف حديثه قائلاً: "لم يتم استكمال سفلتة الطريق الموعود بسفلتته حسب الميزانية، ولا يوجد أي أثر للبلدية في قرى فرع العبادلة إطلاقاً، كما أن الصيانة لطريقنا الجبلي مفقودة، ولم نرَ أي اهتمام من قِبلهم، خاصة وقت الأمطار والسيول عندما يتعرض الطريق للدمار". أما عبدالله عطية وبلخير دخيل فتحدَّثا ونبرة الأسى تبدو في حديثهما، حيث قالا: إن البلدية لم توفَّق تماماً في اختيار هذا الموقع، وكان بالإمكان اختيار الموقع الملائم للمحرقة؛ حيث لا تجلب ضرراً ولا مفسدة لأحد. وأكدا أنها كانت سبباً في ازدياد حالات المرضى بالربو. وأعرب بركات أحمد عن استيائه شخصياً وامتعاض أفراد قريته (الغبراء) كافة؛ كونها أقرب القرى مسافة للمحرقة، وأشدها تضرراً. وذكر أن أبناءه وأبناء إخوته وجيرانه أصيبوا بالربو وهم في سن الطفولة نتيجة المحرقة، وقال: إنني أضطر أحياناً للخروج من قريتي خوفاً من تدهور صحة أبنائي، والمأساة أشد من ذلك. الجدير بالذكر أن موقع المحرقة كان متنفساً لكثير من الأُسَر في شتى فصول السنة، كما أنه كان مرعى للمواشي مليئاً بالكلأ والأعشاب، ومع إنشاء المحرقة طُمست مَعالم تلك البيئة الخضراء؛ ما دفع ملاك المواشي إلى هجر ذاك الموقع، وحبس الأغنام في حظائرها بسبب التلف الذي لحق بها من جراء النفايات والمياه الملوثة. القرى المتضررة من أخطار المحرقة تقع على ضفاف وادي قنونا الأشهر من بين أودية السعودية، الذي يقصده الزوار للتنزه في متنزهاته الجميلة؛ لما يتميز به من: خمائل فاتنة، وعيون متدفقة، ونخيل باسقة تسر الناظرين.. إلا أن القائمين على أمر المحرقة من منسوبي البلدية أصروا على بقائها لتشويه هذا الجمال. ويقول الأهالي إنهم عبر صحيفة (سبق) يرجون أن يصل نداؤهم إلى المسؤولين في وزارة الشؤون البلدية والقروية، وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور منصور بن متعب بن عبدالعزيز آل سعود؛ لأخذ الإجراء اللازم حيال ما وصفوه ب"الكارثة الصحية".