وضعت قرارات كثيرة لمناقشتها عبر مجلس الشورى السعودي، وكان من أهمها تنظيم النسل؛ وذلك للمحافظة على الموارد الاقتصادية وإمكانية تحقيق النهضة الاقتصادية ونمو البنية التحتية، وقد أكد الخبراء الاقتصاديون ضرورة النظر في تنظيم النسل في السعودية مع الاهتمام ببرامج تطوير الطاقة البشرية من مستهلكة إلى قوة اقتصادية وسياسية، مشددين على ضرورة صدور فتوى من الجهات الشرعية لإيضاح هذه الآلية، وفقاً لمعطيات الشريعة الإسلامية. يقول الخبير الاقتصادي فضل البوعينين إن مناقشة تنظيم النسل في السعودية من الأمور الحساسة؛ لجوانب دينية صرفة تجعل الغالبية لا ينظرون للبعد التنظيمي والاقتصادي والتعليمي المترتب على عملية تنظيم النسل، وهي قضية ذات أبعاد قصوى تتطلب أن ينظر إليها الجميع بطريقة مختلفة بالكلية، والمعنى أن التنظيم يجب أن يشمل حالات الولادة، بحيث يستطيع رب الأسرة السيطرة على نفقات الأسرة وتعليمها وتقديم الاحتياجات اللازمة في مختلف مراحل النمو.
ولفت "البوعينين" إلى أن السعودية في مرحلة تحتاج فيها إلى تنظيم المجتمع للنسل؛ وذلك لانعكاسات اقتصادية في الموارد التي تتطلب هذا التوجه، مبيناً أن النمو السكاني في السعودية يُعتبر من الأعلى في العالم، ولا يمكن بهذا الوضع تحقيق التوافق بين النمو الاقتصادي وتوفير البنية التحتية في ظل هذا النمو الكبير في المواليد والسكان؛ لكونه جزءاً من التنظيم الكلي ومؤثر على الموارد الاقتصادية.
وأكد أن التنظيم يُعتبر من أهم متطلبات الحياة وتنظيم النسل جزء من تنظيم الحياة التي تتطلب عدم الضغط على البنية التحتية وعلى الخدمات بشكل عام، وخاصة التعليم والصحة والخدمات السكانية، والتي لن تتوفر كما هو الحال في الفترات السابقة.
ولفت "البوعينين" إلى أن عدد سكان المملكة وفقاً لآخر الإحصائيات وصل إلى ما يقارب 20 مليون نسمة، مما يؤكد تضاعف عدد السكان خلال ال 15 عاماً الأخيرة، وعند استمرار الوضع والتزايد بهذا الحال فإن ذلك سيكون عائقاً كبيراً في التنمية الاقتصادية وضعف الكفاءة الخدمية، خاصة أن الاقتصاد السعودي له طبيعة ريعية مملوكة للحكومة، ولا توجد استفادة من النمو السكاني كما هو الحال في بعض الدول التي تعتمد على الموارد البشرية في المساهمة في الناتج الإجمالي.
وقال: هناك عيب في تشكيل الاقتصاد وتشوهات، ولذلك فإننا بحاجة إلى إعادة هيكلة الاقتصاد والاستثمار الأمثل للموارد البشرية، مما يتطلب وقتاً إضافياً ويتطلب تنظيم النسل، حيث إن العلاقة بين الناتج الإجمالي وعدد السكان علاقة غير دقيقة؛ نظراً للاعتماد على الدولة، ولذلك لا بد من الموازنة حتى لا نصل إلى العجوزات، حيث إن نفقة التعليم في السعودية تستهلك 25% من ميزانية الدولة و85% من هذه الميزانية عبارة عن رواتب معلمين ومعلمات، ولم يتبقّ للبناء سوى 15% وتضاعُف هذا العدد ينذر السنوات القادمة بمشكلة في الخدمات في القطاعات الصحية والسكانية وقطاع البلديات.
ونوّه إلى أن تنظيم النسل يحقق الحياة المناسبة للفرد، ويجب أن تكون هدفاً استراتيجياً يهتم بضبط النمو السكاني وتنظيم الاستقدام من الخارج.
من جهته أكد استشاري النساء والولادة ومدير مستشفى مستشارك الطبي بخميس مشيط الدكتور محمد السنيدي أن الإعلام السعودي لم يتطرق إلى أهمية تنظيم النسل بحكم حساسية موضوع التنظيم من الناحية الشرعية، مشيراً إلى أن وسائل الإعلام تجاهلت هذه القضية الجوهرية طوال السنوات الماضية، بما يتطلب أن تنتبه هذه الأداة القوية إلى أهمية تفعيل دورها في التوعية.
ولفت إلى أن قناعات العديد من السيدات حول الإنجاب ودوره في الحفاظ على الأسرة وفي السيطرة على الرجل له دور كبير في تزايد نسبة التعداد السكاني، وتابع قائلاً: أصادف العديد من الحالات في المستشفى لسيدات لا تسمح حالتهن الصحية بالحمل وحالات تهدد حياة المرأة عند الحمل، فتكون المرأة مصابة بالضغط والسكري، إضافة إلى إشكاليات العمر، وأستغرب بعد أن تكون امرأة تعاني من جميع هذه الظروف الصحية ولديها 7 أبناء وتطلب أطفال أنابيب.
وشدد "السنيدي" على وجود مشكلة مرسخة في وجدان المرأة السعودية تجاه الإنجاب، مبيناً أن الحالات التي تطلب الربط وتقبله على الرغم من الظروف الحتمية التي تتطلبه لا يجد قبولاً لدى المجتمع السعودي.
وشدد على ضرورة تكثيف الدور التوعوي والإعلامي من قبل وسائل الإعلام والبرامج التثقيفية من قبل وزارة الصحة، وقال إن هناك العديد من أساليب منع الحمل الحديثة، مثل لصقات على الجلد أو الإبر أو تركيب الحلقة المهبلية أو حبوب منع الحمل أو تركيب اللولب، فلدى المرأة الكثير من الخيارات والبدائل التي تتواءم مع طبيعتها ومع حالتها الصحية، ولا تؤدي إلى آثار مثل الصداع أو الدوار وغيرها من الإشكاليات التي تصيب المرأة.
وختم "السنيدي" حديثه قائلاً إن التوعية لا بد وأن تخرج من المدارس والجامعات والبرامج التثقيفية.
من جهتها أكدت الأخصائية الاجتماعية بمستشفى السعودي الألماني صباح زهار أن تنظيم النسل ينعكس على الأسرة اقتصادياً، وربط ذلك بثقافة الأسرة من خلال ترتيب الأولويات.
وأكدت أن الوضع الاقتصادي الجيد للأسر ذات الدخل العالي مرتبط بتنظيم النسل أحياناً بعكس الأسر الأقل دخلاً ذات الثقافة الأقل، التي يستمر حجمها في الازدياد، وفيما نجد أن منحنى التنظيم في الأسر متوسطة الدخل جيد كون الثقافة والدخل متناسبان في أغلب الأسر.
وأشارت إلى أن الوضع الاقتصادي الجيد وارتفاع متوسط الدخل للأسرة يجعلها تهتم بتوفير احتياجات التعليم والصحة والترفيه، مما يجعل قاعدة النسل مفتوحة خاصة في ظل العادات والتقاليد، وقالت إن "التنظيم جيد للمرأة العاملة خاصة مع وجود شهرين فقط كإجازة أمومة، فالطفل بحاجة إلى وقت أكثر للرعاية، لذلك نجد بأن تنظيم النسل هو من أفضل الوسائل المتوفرة".
من جهته أكد المفكر والداعية الإسلامي الدكتور عوض القرني في حديثه ل"سبق" أن موضوع تنظيم النسل في الأصل جائز، ولكن إعطاء فتوى عامة في المملكة تحتاج إلى دراسات، ويفضّل أن يتم إصدار فتوى من قبل دار الإفتاء أو هيئة كبار العلماء أو اللجنة الدائمة للإفتاء أو مفتي المملكة، والتي تتوفر لها الخبرات والدراسات العلمية ومكاتب الدراسات مما يمكنها من إصدار فتوى بمقتضى ذلك.
وتابع "القرني" أن منع النسل لا يجوز بالإجماع وتنظيمه في بعض الحالات والظروف الخاصة قد أفتت بجوازها المجامع الفقهية، مشدداً على أن هذه القضية يجب أن تحال إلى الجهات المختصة.
كما أشار عضو هيئة التدريس في قسم العلوم السياسية بجامعة الملك سعود الدكتور طلال ضاحي أن موضوع تنظيم النسل موضوع متعدد الجوانب، وهناك قضية شرعية ترتبط بهذا الأمر، والتي أدت إلى تأخير مناقشة هذا الأمر في السعودية، ولكن هذه القضية ظهرت بسبب متطلبات العصر والظروف الاقتصادية.
وقال: لست عالماً دينياً ولكني أحتفظ بالعديد من الأحاديث التي تدعو إلى الحفاظ على التناسل، ومنها قوله صلي الله عليه وسلم: "تزاوجوا تناسلوا فإنني مفاخر بكم الأمم يوم القيامة"، كما أن زيادة عدد السكان في أي بلد من الناحية السياسية عامل قوة، والدليل على ذلك منح الولاياتالمتحدةالأمريكية الجنسية لكل من يولد على أرضها، ولكن مع اختلاف الظروف الاقتصادية بين السعودية وأمريكا أعتقد أننا نحتاج أن نقرأ واقعنا البشري والعمل على تحويل الموارد البشرية في السعودية من مستهلِكة إلى طاقة اقتصادية وبشرية داعمة للاقتصاد والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال، والتي حوّلت العنصر البشري إلى طاقة ومصدر قوة.
وبيّن أنه في ظلّ عدم وجود مثل هذه البرامج فيمكن النظر في الترشيد للتخلص من ضعف الخدمات وزيادة نسبة البطالة، مؤكداً أن التقنين في النسل أصبح من الأمور المهمة لحماية الاقتصاد.
وختم بقوله إن الموضوع حساس من الناحية الشرعية والاقتصادية والاجتماعية وتأثيره واضح، مما يتطلب توفر دراسات شرعية واقتصادية واجتماعية؛ لوضع آلية للحفاظ على مقومات الاقتصاد السعودي ودعم موارده البشرية بما يتواءم مع معطيات الشريعة الإسلامية.