عندما أمر المؤسس الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه - بتوطين البادية في الهجر والقرى لم يكن أمام الناس في ذلك الوقت سوى بناء منازلهم بأنفسهم، ومن البيئة ذاتها، عندها هب أهل منطقة نجد ببناء بيوت الطين، وسقفها بسعف النخيل، وعمل لمسات جمالية على مقدمة المنزل، وظلت قوية ومتماسكة إلى يومنا هذا، منافسة مواد البناء الحديث. ففي الرياض والقصيم والقرى المجاورة كانت الطبيعة والتضاريس صحراوية، وكانت مواد البناء هي الطين وجذوع وسعف النخيل، وهي متوافقة تماماً مع طبيعة وبساطة السكان، وبحجم إمكاناتهم وحدود معرفتهم.
التوافق كان في أجواء المنزل الطيني المشابه للبيئة الصحراوية، فلم يكن هناك مكيفات ومراوح وإضاءة، غير أن البيت يحظى ببرودة مناسبة في الصيف ودفء في الشتاء، والإضاءة في النهار جيدة بسبب الفتحات المتفرقة في جوانب البيت، التي تسمح أيضاً لضوء القمر بالتسلل ليلاً عبرها.
البيوت الطينية تتمتع بخاصية العزل الحراري؛ فهي تتصدى للحرارة، وتحتفظ بالبرودة صيفاً، وتحول نسمات البرد القارص إلى حرارة شتاءً، وكان البقاء بين جدران المنزل "أيام الطيبين" ممتعاً للغاية، ولا يبعث على الملل في نفوس أبناء الصحراء.
مرحلة التحوُّل من البناء الطيني إلى البناء المسلح في منطقة نجد بدأت في عقد الأربعينيات الميلادية، عندما ظهر البناء المُسلّح من خلال بعض القصور والدوائر الحكومية، وكان حينها القصر الأول للملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- بالناصرية عندما كلف الملك سعود في عام 1371م الشيخ "محمد بن لادن" ببناء قصره الأول في الناصرية.
وفي التسعينيات الهجرية عرفت الدور والمنازل أشكالاً وتصاميم أكثر تنوعاً؛ إذ تنافس الناس حينها على بناء الوحدات الصغيرة بأشكال وتصاميم هندسية جذابة. وفي بداية هذا العقد اقتصرت بعض المنازل على الدور الأرضي فقط.
وشهد عام 1395ه البدايات الأولى لقروض صندوق التنمية العقاري، الذي كان سبباً في التوسع في الأفكار والمساحات.
وعلى الرغم من التكلفة العالية للبناء، والإبداع في تصميم المنازل الحديثة، إلا أنها تفتقر لخاصية الاحتفاظ بالبرودة والحرارة؛ لتبقى أجهزة التكييف التي لا تعرف التوقف ليلاً ونهاراً هي مصدر الهواء "بنوعيه"، مستهلكة طاقة كهربائية عالية. فهل يساهم قرار تطبيق العزل الحراري في المنازل على الجدران والأسقف والنوافذ في عودة "أيام الطيبين"؟