امتدت أيدي الإجرام والإرهاب أمس إلى منطقة الأحساء شرق المملكة العربية السعودية، لتسقط خمس ضحايا، وهي التي عُرف عنها أنها منطقة التعايش الاجتماعي والمذهبي منذ قرون، وصاحبة التاريخ الطويل الحافل بالأحداث والإنجازات على صعيد تاريخ المملكة، وتشكل نموذجاً للتعايش السلمي الناجح بين أبناء الطوائف والمذاهب الدينية والتيارات الفكرية، فالأحساء، ومن خلال مكانتها العلمية والفكرية والاقتصادية والتنوع المذهبي وطبيعة أخلاق أبنائها الذين يتميزون بالطيبة والتواضع والأريحية والتناغم، كانت على الدوام في موقع المرحب والمشجع على الاستقرار والاندماج داخل المجتمع. وما شهدته ليلة أمس من قتل وترويع للآمنين، ومحاولة فض ذلك التعايش السلمي الذي تعيشه في ظل حكومة خادم الحرمين الشريفين، ما هو إلا دليل لمحاولة النيل من اللحمة الوطنية والتعايش السلمي المذهبي فيها.
فالتاريخ يشهد للأحساء بأنها ذات تنوع مذهبي حيث يوجد المالكي والحنبلي والشافعي والحنفي والجعفري والزيدي والإسماعيلي، كل هذه المذاهب تتعايش في الأحساء متجاوزة الفوارق والاختلافات المذهبية والفكرية في المنطقة التي تعترف باسم الأحسائي فقط، دون أن تميز أي فئة عن الأخرى.
فعُرف عن أهل الأحساء أنهم مسالمون ومتعايشون مع بعضهم، وتلك الحالة الإيجابية من أهم المميزات التي يتميّز بها أهل الأحساء، وتبرز مظاهر هذه الحالة من خلال التعايش بين جميع فئات المجتمع الأحسائي من النخب الثقافية والوجهاء ورجال الأعمال وعلماء الدين إلى عموم الناس.
وبقي أن تصمد الأحساء ولا تسمح لأي مؤثرات خارجية من شحن طائفي أو مذهبي أو توتر في الأوضاع الإقليمية، بأن تعكس تعايشها سلبا، وتؤدي إلى ضياع اللحمة الوطنية، فما حدث أمس فهو نوع من أنواع الإرهاب، والذي أدى إلى مقتل خمسة من المواطنين وإصابة تسعة آخرين.
ويعدّ ذلك الحادث الإجرامي اعتداء آثماً وجريمة بشعة، نظراً لما انطوى عليه من هتك للحرمات المعلومة بالضرورة من هذا الدين، ففيه هتك لحرمة النفس المعصومة، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار وحياة المواطنين الآمنين المطمئنين، وهتك للمصالح العامة.
وكان المتحدث الأمني لوزارة الداخلية اللواء منصور التركي قد أعلن عن إلقاء القبض على ستة أشخاص ممن لهم علاقة بالجريمة الإرهابية التي وقعت أمس بالأحساء، وراح ضحيتها خمسة أشخاص وأصيب تسعة آخرون، وذلك عقب ساعات من وقوع الجريمة التي استنكرتها هيئة كبار العلماء في بيان قبل قليل، مؤكدة أنها اعتداء آثم وجريمة بشعة يستحق مرتكبوه أقسى العقوبات الشرعية.
وأضاف أن المتابعة الأمنية للحادث أسفرت -بتوفيق الله تعالى- عن القبض على ستة أشخاص ممن لهم علاقة بالجريمة الإرهابية، وذلك في عمليات أمنية متزامنة تم تنفيذها في محافظة شقراء بمنطقة الرياض ومحافظتي الأحساء والخبر بالمنطقة الشرقية.
والمتابع لبيان الداخلية يجد أن محافظات أخرى كانت مستهدفة لعمل إجرامي إرهابي، للنيل من أمن المملكة، وللإنجاز الأمني من التتبع لتلك الفئة، والتي سقطت في قبضة الأمن خلال ساعات، وإبطال محاولاتهم في محافظات أخرى، وانكشاف مخططاتهم الإرهابية، والتي ستعلنها الداخلية وفقا لبيانها السابق.