بين الهند الدولة، والهند الحكاية، تاريخ طويل، وأسطر جليلة، ستخلدها كتب الإحصاء قبل دواوين التاريخ. قصة الهند والتقدم التقني مليئة بالكفاح والجهد، حتى وصلت إلى المرتبة الثانية على مستوى العالم كأكبر مصدر للبرمجيات بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتأتي زيارة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز، كمحاولة من المملكة لمواكبة التطور التقني في العالم، ومن ثم كان اختيار الهند إثر زيارته لامبراطورية صناعة الإلكترونيات العالمية: اليابان. ووقّعت السعودية والهند بالفعل اتفاقية تعاون بين البلدين في المجال العسكري، تشمل التعاون في التدريب وتبادل الخبرات والزيارات بين العسكريين. كما التقى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود سمو ولي العهد وزير الدفاع، بنائب رئيس الجمهورية الهندي الدكتور محمد أنصاري، وجرى خلال الاجتماع بحث أوجه التعاون الثنائي بين المملكة والهند، والسبل الكفيلة بتطويره وتعزيزه في المجالات كافة بما يخدم مصالح البلدين.
صداقة دائمة ونوه سمو ولي العهد بالعلاقات التي تربط بين المملكة والهند، وقال: إن الصداقة السعودية الهندية تسير نحو آفاقٍ رحبةٍ من التعاون والشراكة في المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية والعلمية لمصلحة الشعبين الصديقين، التي يحرص خادم الحرمين الشريفين على تعزيزها. وأضاف أن السعودية والهند تنظران برؤية مشتركة نحو تحقيق الرفاهية لشعبَيهما، وإحلال السلام والاستقرار لشعوب المنطقة، وأعرب عن ارتياح السعودية للتعاون والتشاور القائم بين الأجهزة المختصة في البلدَين حيال القضايا ذات الاهتمام المشترك، وقال: "نأمل بتوسيع التعاون بين القطاع الخاص في البلدَين في مجال الاستثمارات المشتركة لما فيه خير شعبَينا وبلدَينا الصديقَين". ونحاول في هذا التقرير توضيح مدى التطور الذي وصلت له الهند تقنياً منذ استقلالها وحتى الوقت الحالي.
الشرارة الأولى بدأت الهند البحث عن التقدم التقني في الخمسينيات من القرن الماضي في أعقاب نيلها استقلالها، حينما قرر رئيس وزراء الهند جواهار لال نهرو، أن تكون لبلده معاهد تقنية من الطراز العالمي، وكانت البداية بمعاهد (IIT) أو (Indian Institute of Technology) والتي تخرج منها أجيال فذة من الموهوبين الذين تعتمد عليهم كبريات الشركات العالمية في صناعة البرمجيات مثل مايكروسوفت، آي بي إم، إنتل، أوراكل، وأدوبي وغيرها، كما تقلدت كوكبة من خريجي هذه المعاهد وغيرها من المؤسسات التعليمية التي سارت على منوالها مناصب عليا في قيادة الشركات العالمية العملاقة.
مبرمجو العالم تعتبر الهند ثاني أكبر مصدر للبرمجيات بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويتم فيها تطوير حوالي 40% من البرمجيات المستخدمة في الهواتف الخلوية، كما تعتبر صناعة تقنية المعلومات إحدى القطاعات النشيطة في الاقتصاد الهندي، وتتخطى عائدات هذا القطاع 100 مليار دولار، حيث بلغت قيمة الصادرات 69 مليار دولار في عام 2012، وتوفر هذه الصناعة فرص عمل مباشرة إلى 2.8 مليون شخص، وفرص عمل غير مباشرة إلى 8.9 مليون شخص في الهند، وقد بزغت الهند كدولة رائدة في مجال تعهيد الأعمال، وساهمت بما يصل إلى 58% من عمليات التعهيد في العالم في عام 2012. وتدعم حكومة الهند الخبرة في مجال تقنية المعلومات من خلال إنشاء مشروعات مبتكرة تهدف إلى حل الكثير من المسائل التنموية الكثيرة التي تواجهها. ومن الأمثلة على ذلك: مشروع فريد بدأت الهند فيه هو مشروع "ادهار"، وهو مشروع قومي لعمل بطاقات قومية لسكانها الذين يبلغ عددهم 1.2 مليار نسمة، وهناك أيضا مشروع الكمبيوتر اللوحي منخفض التكلفة "أكاش"، والذي تم إنتاجه وتوزيعه على تلاميذ المدارس في أنحاء الهند المختلفة، وتبلغ تكلفة الكمبيوتر 80 دولارًا أمريكيًا. وتسهم صناعة تقنية المعلومات الهندية بحوالي 7.5% من إجمالي الناتج القومي، وفي سبيله ليلعب دورًا في توفير فرص عمل جديدة وعائدات أكبر، كما سيسهم في عملية التنمية في الهند.
مزاحمة العالم الأول استطاعت الهند اليوم أن تكون منافسًا قويًا بعدد من شركات التقنية العالمية مثل شركة تي - سي - إس (TCS)، آي - فلكس (I - Flex)، ويبرو (Wipro) وإنفوسيس (Infosys).، كما توجد على أراضيها بعض أهم مراكز البحث العلمي والتطوير في العالم خارج الولاياتالمتحدة مثل مدينة بنجالور، والتي يطلق عليها وادي السيليكون، ومدينة حيدر آباد.
أسباب النجاح ثمة أسباب كثيرة جعلت الهند مركزًا لصناعة تقنية المعلومات العالمية منها: أنها تمتلك قوى عاملة متعلمة تعليمًا عاليًا، مع وجود أكثر من مليوني خريج جامعي في السنة يتحدث جميعهم اللغة الإنجليزية، إذ تعتبر لغة تقنية المعلومات هي اللغة الإنجليزية، وهي اللغة الرسمية الثانية في الهند. وساعد انتشار الجامعات والمعاهد التقنية المتخصصة على تخريج أعداد هائلة من إخصائيي تقنية المعلومات، وبدأ هذا القطاع في التطور عندما فتحت الحكومة البلاد أمام قوى العولمة، وقضت على القيود في الداخل، وقللت الحواجز أمام الاستثمارات الأجنبية في بداية التسعينيات. كما توفر الهند حزمة من الإعفاءات الضريبية، فمزودات خدمة الإنترنت تحظى بإعفاءات تبلغ خمس سنوات، والشركات العاملة في البحث العلمي 10 سنوات، في حين أن المجمعات التقنية تحظى بإعفاءات تصل إلى 15 سنة؛ مما ساعد على تدفق الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات إلى الهند، حتى أصبحت أحد أكبر الأسواق في العالم. والدليل على ذلك أن شركة مثل ميكروسوفت أقامت أحد مراكز البحوث الأساسية العالمية الثلاثة لها في بنجالور، والمركزان الآخران في الصين وفي المقر الرئيسي للشركة في الولاياتالمتحدة، كما تنجز المئات من كبريات الشركات العالمية عملياتها من بنجالور وحدها، معظم الشركات الهندية العاملة في خدمات تقنية المعلومات على شهادات الجودة الآيزو.
وتتمتع الهند ببنية اتصالات قوية، خاصة في مراكز الإنترنت، فمزودو الاتصالات اللاسلكية منتشرون في كل أنحاء الهند، علاوة على شبكة فاعلة من الأقمار الصناعية والكابلات البحرية التي تؤمن اتصالًاً جيدًا مع جميع أنحاء العالم، وهذه البنية التحتية العملاقة تقوم بدور مهم في تنمية خدمات التطوير للخارج، فتجعل الشركات الأجنبية على اتصال مستمر ودائم مع مزودي هذه الخدمات. كما يعود النجاح الهندي في ميدان تقنية المعلومات إلى تطوير حلول برمجية متقدمة، فهناك الكثير من التجارب الهندية الناجحة التي مرت عليها سنوات من التطوير، وتشمل هذه التجارب حلول التجارة الإلكترونية، وحلول قواعد البيانات بكل أنواعها، وحلولًاً محاسبية، وحلول النشر الإلكتروني، مما يسهل على الشركات الأجنبية الاعتماد الكامل على الشركات الهندية لاستعمال مثل هذه الحلول. وقدمت الهند كل ذلك بعيدًا عن التعقيدات البيروقراطية مع فهم عامل الوقت على أنه قيمة تنافسية مع تنظيم بيع أنشطتها ومعارفها وخبراتها على شبكة الإنترنت. ولذا إن شك أحد بمدى مصداقية هذه الأرقام الفائقة الروعة عن الهند، فإن التاريخ على وشك أن يؤكد هذه الشكوك، كما تشير أغلب الإحصاءات العالمية عنها، وعن جارتها اللدود "الصين".