يروي الكاتب الصحفي براشانت راو، ل"بي بي سي"، مأساة رجل عراقي يُدعى صدام حسين عليوي (35 عاماً)، تعرّض لإساءات بالغة بسبب اسمه، سواء حين كان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين حياً، والآن بعد رحيله بسنوات طويلة. وفي تقرير بموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، يقول براشانت راو، مدير مكتب وكالة "فرانس برس" في العراق: مرّ عقد من الزمن على القبض على الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، ولكن أولئك التعساء الذين أطلق عليهم آباؤهم اسم "صدام" ما زالوا يعانون من ذلك.
ثم يروي "براشانت" مأساة "صدام" ويقول: بعد رحلة بالسيارة استغرقت زهاء ساعتين نحو العزيزية جنوب شرق بغداد، استوقفنا رجل شرطة وسألنا عما نفعله، ونحن فريق من الصحفيين الذين يعملون لصالح جهة إعلامية أجنبية، في بلدته الصغيرة.
وبينما كان الشرطي يفحص الوثائق الخاصة بنا، ترجّل من سيارة متوقفة رجل يرتدي ثوباً (دشداشة) أسود ومعطفاً جلدياً وقال "إنهم هنا لمقابلتي".
- "ومن تكون أنت؟" سأل الشرطي الرجل.
- "أنا صدام حسين!".
أعرف ما يجول في خاطرك، قارئي العزيز.. ما الذي جاء بصدام حسين إلى هذه المدينة ذات الأغلبية الشيعية؟ ألم يُنفَّذ به حكم الإعدام منذ عدة سنوات؟
ولكن هذا صدام آخر، وهو واحد من العديد من "الصدادمة"، من السنة والشيعة، الذين ابتلوا باسم أُطلق عليهم عندما كان صدام "السيد النائب"، وفي طريقه إلى أعلى هرم السلطة في العراق، وقبل أن يكتسب شهرته كديكتاتور دموي.
الرجل الذي قابلته في العزيزية هو صدام حسين عليوي، شيعي يبلغ من العمر 35 عاماً، ويعمل مشغلاً للمولدات الكهربائية في منطقته.
كان صدام حسين ودوداً وكريماً، إذ دعانا إلى غداء لذيذ، فيما جلسنا نتحدث عما عاناه جراء الاسم الذي أطلق عليه.
كان "عليوي" جد صدام حسين عليوي، هو الذي أطلق عليه هذا الاسم في عام 1978 قبل أن يتبوأ صدام حسين التكريتي منصب رئيس الجمهورية. كان آنذاك يشغل منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، وكان يحظى بإعجاب الكثير من العراقيين.
ولكن سرعان ما تحول الاسم إلى نقمة على صدام حسين عليوي.
فكان مدرّسوه يتوقعون منه المستحيل، إذ كانوا يريدون منه أن يحاكي نجاحات "صدام" الحقيقي، وكانوا يعاقبونه بشدة إذا أخفق في ذلك.
وعند التحاقه بالخدمة العسكرية الإلزامية، توقع صدام حسين عليوي أن يعامله الضباط والجنود بقدر أكبر من الرقة، مما عهده في المدرسة. ولكن ظنه خاب.
فعندما كان يتسلم ملابسه العسكرية، اعتدى عليه الضابط المسؤول بالضرب عندما تفوه باسمه؛ إذ اتهمه بتدنيس اسم الرئيس لتجرؤه بمقارنة نفسه به.
وبعد الإطاحة ب"صدام الديكتاتور" عام 2003، كان "صدام مشغل المولدات الكهربائية" يتوقع أن يتحرر أخيراً من تبعات الاسم الذي ابتُلِيَ به.
ولكن، وأسوة بالكثير من الأمور في عراق ما بعد الغزو الأمريكي، كان الواقع أكثر تعقيداً مما توقع.
بدأت أحزاب سياسية معينة بالاتصال بوالده لتطالبه بتغيير اسم ولده، ولكن العائلة أبت ذلك. وما زال "صدام" يتعرَّض للشتائم في الشارع، فيما يرفض موظفو دوائر الدولة ترويج معاملاته.
وسار الحال من سيئ إلى أسوأ، بحيث قرر في عام 2006 أن يُغيِّر اسمه، ولكنه عدل عن ذلك بعد اصطدامه بالبيروقراطية العراقية، وتكلفتها العالية إن كان بالوقت أو بالمال، خصوصاً لرجل ضعيف الحال مثله.
قابلت العديد من "الصدادمة"، سنة وشيعة، في العراق، وقد رووا لي قصصهم المختلفة مع اسمهم المشترك.
قال لي أحدهم، ويعمل صحفياً في مدينة الفلوجة بمحافظة الأنبار إن والده فُصِل من وظيفته؛ لأنه لم يتمكن من إقناع رؤسائه بأنه ليس عضواً في حزب البعث. ألم يُسمِّ ابنه "صدام"؟ أي تعبير عن الولاء أكبر من هذا؟
آخرون رووا لي قصصاً مرعبة حقاً، إذ قال أحد "الصدادمة" إنه اعتُقِل من قبل ميليشيا شيعية حاولت إعدامه بإطلاق النار على رأسه. ولكن لحسن حظه، أصاب السلاح عطل وأطلقوا سراحه.
وروى صديق كردي قصته مع أحد رفاق دراسته كان اسمه صدام حسين. قال إنه ورفاق صفه كانوا يقولون ل"صدام": "لسنا وحدنا الذين نكرهك، إن كل البلاد تكرهك".
مرّ عِقد على زوال "صدام" ونظامه، ولم تعد هناك أي تماثيل أو صور أو مبانٍ تحمل اسمه.
ولكن هؤلاء الرجال ما زالوا هنا، من الذكريات القليلة الباقية للديكتاتور.
سألت "صدام مشغل المولدات" كيف يكون رده على الذين يشتمونه في الشارع؟ فأجابني: "إنه مجرد اسم.. إنه لا يعني شيئاً".