يتجول صدام حسين في بلدة شيعية قرب بغداد، يمر في شوارعها من دون أي مضايقة، يمزح مع حراس نقطة التفتيش تارة، ويصافح المارة تارة أخرى، مردداً بفخر اسمه على مسامعهم. ويقول لرجال الشرطة وهو يضحك «انتم لم تعدموني، كان ذلك شبيهي». لكن الرجل الذي ارتدى عباءة سوداء طويلة وسترة من الجلد، ليس صدام حسين نفسه، صاحب رتبة المهيب الركن ولقب «القائد الضرورة»، بل إنه واحد من عراقيين كثر يحملون اسمه. من مسقط رأس صدام في تكريت في الشمال، إلى صحراء محافظة الأنبار الغربية، نزولاً إلى المحافظات الجنوبية، شيعية وسنية، يحمل عدد كبير من الأشخاص هذا الاسم المركب الذي كان يمنح صاحبه إجلالا في السابق، لكنه تحول بعد ذلك إلى عبء عليه. ويقول صدام حسين عليوي (35 عاماً) الذي يعمل في تشغيل مولد كهرباء في قضاء العزيزية، جنوب شرقي بغداد إن «صدام اضطهد الكثير من الناس. لذلك فإن الكثير من هؤلاء يوجهون اللوم إلي بسبب اسمي». ويتذكر صدام حسين الذي أطلق جده عليه هذا الاسم كيف أنه خلال فترة دراسته كان الأساتذة يتعاملون معه بمعايير عالية، إذ كان من المستحيل فرض أي عقوبة قاسية بحقه إذا فشل في إنجاز واجب مدرسي. وعندما التحق بالخدمة العسكرية الإلزامية، تعرض لاعتداء من الضابط المناوب حينما كان ينادي بالأسماء لتسلم البزات العسكرية، لأنه تمثل باسم الرئيس. وبعد الاحتلال الأميركي عام 2003 وخلع صدام، تمنى صدام مشغل مولد الكهرباء، أن يضع ذلك نهاية لمعاناته من خلال تغيير اسمه. ولم يتعرض صدام إلى مساءلة من سكان منطقته بسبب اسمه، لكن والده تلقى مكالمات هاتفية من أحزاب طلبت منه تغيير اسم ابنه، فيما تعرض إلى توبيخ بعض المارة لان اسمه كان يعيد إليهم بعض الذكريات الأليمة. حاول صدام تغيير اسمه عام 2006، غير انه قرر تأجيل ذلك بسب المعاملات البيروقراطية المعروفة ببطئها في العراق إلى جانب التكاليف. ويقول والد صدام، وهو جالس إلى جانب ولده وعائلته في منزله في قضاء العزيزية في محافظة واسط بحزن: «يؤسفني أن وافقت على إطلاق هذا الاسم عليه». ويضيف «كانت هناك ضغوط كبيرة علينا قبل عام 2003 (...) وبعد عام 2004 زادت المعاناة». ويوضح «هناك الكثير من أولئك الذين يحملون كراهية لصدام، و أي شيء يتعلق باسمه»، مشيراً -على سبيل المثال- إلى أن موظفي الخدمة المدنية في كثير من الأحيان لا يتعاملون مع طلبات ابنه. وبعد مرور عقد على اعتقاله، ما زال اسم صدام الذي أعدم في كانون الأول (ديسمبر) 2006 يولد غضباً بين العراقيين. وقضى مئات الآلاف، معظمهم من الشيعة والأكراد، على يد نظام صدام، فيما عانى معظم العراقيين طوال عقود نتيجة الحروب التي شنها على إيران والكويت وأدت إلى فرض عقوبات شلت اقتصاد البلاد. وعلى رغم من أن بعض التذكارات التي تحمل صور صدام يمكن شراؤها في بغداد، مثل الساعات والتحف الأخرى، إلا أن معظم تماثيله وصوره التي كانت تمثل فترة حكمه، أزيلت تماماً. وقد يكون الرجال الذين يحملون اسمه أحد الأمور القليلة الباقية التي تذكر بفترة حكمه. وتعرض عدد كبير منهم للقتل والتهديد، وصعوبة الحصول على وظائف حكومية وفرص عمل، وواجهوا صعوبات أخرى تفوق المشاكل التي يتعرض لها العراقيون العاديون. ويقول صدام حسين محميدي وهو صحافي في مدينة الرمادي في محافظة الأنبار: «بعد عام 2003 حدثت أشياء كثيرة لي حينما كنت أذهب إلى أي مكان. أود أن اخفي اسمي من أجل إنقاذ حياتي». وأقيل والد صدام حسين محمدي من وظيفته في الخدمة المدنية بسبب اسم ابنه، بعدما فشل في إقناع رؤسائه بأنه لم يكن من مؤيدي حزب البعث. ويقول صدام محمدي (33 سنة) الذي أطلق عليه هذا الاسم الطبيب الذي حضر ولادته، إن حياته قبل اجتياح العام 2003 كانت خالية من المشاكل، خصوصاً أنه كان يعيش في محافظة الأنبار السنية. لكن بعدما أطاحت الولاياتالمتحدة النظام، أجبر على تزوير بطاقة تعريفية لتغيير اسمه، وتجنب مغادرة المنزل في ذروة أعمال العنف الطائفية التي أعقبت الغزو، في عامي 2006 و2007. ويقول صدام، الذي يفضل أن يناديه أصدقاؤه باسم ابو عبد الله: «حياتي بعد عام 2003 تغيرت بشكل دراماتيكي وانتقلت من ضفة إلى أخرى».