تنقلت عينا المواطن محمد السراح بين الساعة المعلقة على الحائط للحظات قبل أن يعود لينظر بأمل لوجه ابنه وكأنه يرجو جهاز التنفس الصناعي المعلق أن لا يتوقف قبل أن تحضر النجدة ب"البطاريات" ليستمر عمل الجهاز ويعلو ويهبط صدر "فلذة كبده". هذه اللحظات الصعبة عاشها الطفل فيصل السراح (13 عاماً) برفقة والده مؤخراً، بعد أن تأخرت البطاريات التي يعمل عليها جهاز التنفس الفريد الذي يبقيه على قيد الحياة إثر حادث مروري تعرض له برفقة عائلته، أصيب على إثره بحروق شديدة وإصابات في النخاع الشوكي، فقد معها قدرته على التنفس. ويقول محمد السراح واصفاً حالة ابنه "فيصل تعرض لحادث مروري برفقة عائلته المكونة من سبعة أشخاص, وأدى الحادث إلى وقوع حريق بالسيارة نجا الجميع منه باستثناء فيصل الذي سقط من السيارة ومن ثم دفعته السيارة لمسافات بعيدة مع احتراق لجسمه من الخلف, وأُدخل مستشفى القريات آنذاك". وأضاف "وبأمر من خادم الحرمين الشريفين نُقل بالإخلاء الطبي إلى مستشفى مدينة الملك فهد، وأجريت له عملية في فقرات الحبل الشوكي، ولكن الأطباء أقروا بعدم وجود علاج له بالمدينة بتقارير طبية رسمية من المستشفى، وحددوا أن علاجه يتوفر في مستشفيات أوروبا وأمريكا"، مشيراً إلى أنه انتظر ستة أشهر قبل أن تقدم له وزارة الصحة دعماً لإرساله. وأوضح: "وحينها تدخل سمو ولي العهد - حفظه ورعاه - وتكفل بنقله وعلاجه بألمانيا وتحديداً بمدينة برلين في عدة مستشفيات بدءاً بمستشفى الحوادث ومستشفى التأهيل للتنفس"، مضيفاً "ولسوء حالة التنفس لديه وفشل أجهزة التنفس العادية وقع له حالة إغماء مدة خمسة أيام، فقام سمو ولي العهد بطلب المساندة وأحضر أطباء من فرنسا وأمريكا وقاموا بتركيب جهاز لأول مرة يستخدم على مستوى العالم وهو جهاز محفز للرئتين حيث يعد فيصل ثاني طفل على مستوى العالم يستعمل هذا الجهاز وأول طفل على مستوى المملكة والشرق الأوسط". ويواصل أبو فيصل حديثه قائلاً "وحينما أردنا العودة إلى المملكة أُدخل مستشفى مدينة الملك فهد بإنسانية سمو ولي العهد المعهودة، حيث أمر بإدخال ابني فيصل إلى المستشفى مرة أخرى وذلك في ثاني أيام عيد الأضحى الماضي, ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم لم يقدم المستشفى أي إجراء يُذكر سوى عمل تدليك وتحريك أعضائه خوفاً من وقوع الجلطة بسبب مكوثه على الفراش لفترة طويلة". وأضاف "وحينما بدأت تتحرك أعضاء ابني قليلاً طالبنا المستشفى بإدخاله قسم التأهيل الطبي حتى يمكن إسراع عملية استعادة حركة الأعضاء، ولكن الإدارة استعملت طريقة لإخراجنا بالقوة والضغط بشكل لا يمثل أية إنسانية في التعامل مع مثل هذه الحالات". وبين السراح "أن المستشفى طلب لإدخال ابني قسم التأهيل بأن يخرج من المستشفى في شقة مجاورة للمستشفى ونأتي إليهم يومياً رغم أن الوضع الصحي لابني يتطلب عناية مرضية متواصلة ولا يمكن تحقيقه خارج المستشفى"، مضيفاً "حينها قدمتُ شكوى لوزارة الصحة بذلك وطلبت منهم إعادة إرساله إلى الخارج ليواصل عملية التأهيل الطبي، ولكن لم يتم الرد علينا منذ 3 أسابيع من الآن". وأشار السراح إلى مشكلة أخرى تهدد حياة فيصل بالموت، وهي أن الجهاز المركب على صدر المريض يعمل على بطاريات ذات استخدام مرة واحدة، وهي الأخيرة التي توفرت معهم من بعد ألمانيا. وقال والد الطفل "جلست أطالبهم منذ ثلاثة أشهر بتوفير العدد الكافي من البطاريات وفي اليوم نفسه الذي قاربت البطارية على الانتهاء قاموا بتوفيرها لي بعد أن عشت يوماً عصيباً توقعت فيه مفارقة ابني للحياة". وذكر السراح أنه أصبح في دوامة، إذ إن مستشفى المدينة أفاد أنه طلب بطاريات إضافية مع برنامج تشغيلي للجهاز ولكن لم يصل أي شيء إلى الآن, وفي حال عدم وصول تلك البطاريات التي بدونها لن تعمل الرئتان مما يؤدي إلى نقص الأكسجين في الدم ولن تفيد أي أجهزة أخرى غير هذا الجهاز, قائلاً "وبالإضافة إلى كل ذلك فإن عدم إدخال المريض قسم التأهيل أيضاً يجعل مصير ابني إلى الموت بعلم من إدارة المستشفى, فالأمر بحاجة إلى سرعة التدخل". وذكر السراح أن ابنه فيصل وصل في مرحلته الدراسية الصف الرابع ولا يستطيع التحدث إلا بالضغط على أنبوب مركب في حلقه, مضيفاً "أنه يجيد التحدث بأربع لغات - ولله الحمد - وهي اللغة الإنجليزية والألمانية والفلبينية والأوردو". من جانبه قال إبراهيم بن أحمد السعيد مدير إدارة العلاقات العامة والإعلام بمستشفى المدينة الطبية "إن الطفل فيصل كان يتلقى العلاج في ألمانيا والتقرير الطبي الصادر يوصي بضرورة متابعة فيصل لحالته في عيادة الدكتور سامي النصار (متخصص في جراحة الصدر ومحفزات الحجاب الحاجز) في مستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض". وأضاف "وبعد عرض التقرير على عدد من المستشفيات لاستقبال الحالة كحالة تنويم، لم تر المستشفيات قبوله كحالة تنويم حسب التقرير الصادر من المركز الطبي في ألمانيا والذي يوصي بالمتابعة وضرورة تقبل والد فيصل حالة ابنه وإلحاقه في المدرسة من جديد ليواصل تعليمه مع متابعة تمارين العلاج الطبيعي المناسبة لوضعه دون الحاجة لوجوده في مستشفى". وذكر السعيد أنه تم عرض التقرير الطبي الصادر من المستشفى الذي كان يعالج به في ألمانيا على مدينة الملك فهد الطبية وشُكلت لجنة مكونة من مستشفى الأطفال ومستشفى التأهيل وعلاقات المرضى، وتم التواصل مع الدكتور سامي النصار وكان رأيه بعدم وجود أية ضرورة لقبوله كحالة تنويم إلا إن اللجنة الطبية في مدينة الملك فهد الطبية رأت قبول الحالة لفترة زمنية محددة وذلك لتدريب أسرة المريض على كيفية العناية والتعامل مع المريض، مع تأكيد ذلك لوالد الطفل فيصل وتم شرح رأي اللجنة الطبية له. وقال "بعدها استقبلت المدينة الطفل فيصل ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، وتم تنويمه في مستشفى الأطفال، وقدمت له العناية الطبية المناسبة لحالته". وأضاف السعيد "أما فيما يتعلق بمطالبة والد الطفل بإلحاق ابنه في برنامج تأهيلي مكثف في مستشفى التأهيل، فقد قام فريق طبي في برنامج تأهيل إصابات الحبل الشوكي بزيارة المريض وتقييم حالته مرتين، وقرر الفريق الطبي أنه لا يمكن إضافة أي خدمة طبية للطفل فيصل نظراً لمضي وقت طويل على الإصابة وعدم وجود هدف وظيفي يمكن تحقيقه". وأشار إلى أن والد الطفل طالب بالاجتماع بالفريق الطبي وعقد اجتماع مع المدير الطبي لمستشفى التأهيل بحضور أعضاء الفريق الطبي ومدير علاقات المرضى وتم شرح رأي فريق التأهيل بالتفصيل. ونوه السعيد إلى أنه تم عرض الحالة على مدينة الأمير سلطان بن عبد العزيز الإنسانية، حيث تم تقييم الحالة من خلال زيارة فيصل في مدينة الملك فهد الطبية بعد تنسيق إدارة علاقات المرضى معهم، وكان رأيهم مطابقاً لرأي اللجنة الطبية والذي يرى بأن فيصل بحاجة إلى تمارين علاج طبيعي خفيفة بشكل منظم عن طريق العيادات الخارجية أو زيارات منزلية وهي نفس توصية المستشفى الألماني الذي مكث فيه فيصل قرابة العامين. وأضاف "أما فيما يخص توفير البطاريات فقد قامت إدارة علاقات المرضى بالتنسيق مع الدكتور سامي النصار والذي أفاد بأن هناك طلباً من قبله لمجموعة من هذه البطاريات لفيصل ومريضين آخرين أجريت لهما نفس العملية مؤخراً في الرياض، وقد تم الحصول على عنوان الشركة المزودة وقامت مدينة الملك فهد الطبية بطلبها بشكل عاجل، وقد وصلت بالفعل". وقال "التقرير الطبي من المستشفى في ألمانيا والصادر في شهر 8-2009م، يوضح أنه تم تزويد والد فيصل بعدد من البطاريات تكفيه لعام كامل. ومن ناحية برمجة (جهاز التشغيل) لا يعطى للمريض أو الأهل ووالد فيصل يعلم ذلك جيداً، والجهاز المزروع في صدر فيصل محكم من حيث برمجته، هذا ما أشار إليه التقرير الطبي، كما أكد ذلك أحد الأطباء الزائرين الذين عرضت عليهم حالة فيصل في مدينة الملك فهد الطبية، إضافة إلى رأي الدكتور فيصل النصار بعد فحصه لفيصل والجهاز عند زيارته له بعد تنويمه في مدينة الملك فهد الطبية". كما أن إدارة علاقات المرضى بمدينة الملك فهد الطبية عرضت أيضاً على والد فيصل عن طريق قسم الخدمة الاجتماعية بالاستفادة من السكن الخيري (مركز الأميرة لطيفة بنت فهد للإيواء) إلا أنه رأى عدم ملاءمة السكن له ولا أسرته.