قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب ان الأمة تعيش اليوم موسماً عظيماً من أيام الله تعالى وركناً من أركان الإسلام العظام موسماً تغفر فيه الذنوب والخطايا وتقال فيه العثرات وتقبل الدعوات موسم الحج إلى بيت الله العتيق شعار الوحدة والتوحيد وموسم إعلان العهود والمواثيق وحفظ الحقوق والكرامات وحقن الدماء وعصمة النفوس والأموال . وأضاف في خطبة الجمعة "إنه موسم الروح وإنها أيام الله وقع خطى الحجيج في دروب المشاعر واتحاد صفهم وبياض لبسهم ووجيف قلوبهم وهم يلبون لله في الله كيف تجد أعينهم فسحة من الدمع لتبصر دربها وكيف تحملهم أقدامهم قد انقطعت قلوبهم إلا من رحمة الله وخلت نفوسهم إلا من الشوق له تركوا الدنيا بضجيجها وزخرفها وخلافاتها وراء ظهورهم وكانوا وفد الله أتوا ليشهدوا منافع لهم ويذكروا إسم الله على ما رزقهم وله يشكرون وراء كل حاج منهم أهل وقرابات حملت نفوسهم من الشوق أضعاف ما حمل وبقوا يتابعون أخبار الحجيج و اللهفات تسابق العبرات حبستهم أعذارهم عن اللحاق بالركب خرجت أم أيمن بنت علي من مصر وقت خروج الحجاج والجمال تمر بها وهي تبكي وتقول هذه حسرة من انقطع عن الوصول إلى البيت فكيف تكون حسرة من انقطع عن رب البيت " .
وبين "آل طالب"أن النفوس تبتهج اليوم بمرأى الحجاج ينعمون بالبيت الحرام وينتظم عقدهم في رحابه الطاهرة في منظر إيماني مهيب يبتغون فضلا من الله ورضوانا حطوا رحالهم عند بيت الله العتيق ملبين النداء القديم المتجدد "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم " يؤدون ركن الإسلام الخامس " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " يلبون ويدعون يأملون من الله القبول ويرجون رحمته ويخافون عذابه .
وقال الشيخ صالح آل طالب "قدمتم أيها الحجاج أهلا ووطئتم سهلا مرحبا بكم في هذا الوادي المقدس وبين جنبات البيت العتيق أول بيت وضع للناس حج إليه الأنبياء واستقبل أوائل الوحي من السماء وخطر جبرائيل بين أفيائه وتنزل القرآن الكريم على سامق جباله وانطلقت منه بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وربى نبينا عليه السلام أبر وأصدق رجاله بيت بناه الخليل إبراهيم عليه السلام وحجه الأنبياء على تباعد العصور وترادف الأعوام زمزم والمقام والحجر والصفا والمروة والجبال والأودية والشعاب كلها شواهد على تصارع الحق والباطل ومغالبة الهدى والظلال حتى بزغ النور وعم ضياء الخافقين فعلى هذه الربى تغسل الخطايا ويعود الحاج نقيا كما ولدته أمه وليس مكان في الدنيا له ميزة كهذا المكان فاقدروا للبيت حرمته وتلمسوا من الزمان والمكان بركته والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه".
وأشار "آل طالب" إلى أن هذه الأيام أيام عظم الله أمرها وشرف قدرها ولقد أسس هذا البيت العتيق لأجل توحيد الله تعالى وأفراده بالعبادة ثم رفع الخليل عليه السلام البناء وهو يدعو بدعوة التوحيد .
وحث إمام وخطيب المسجد الحرام حجاج بيت الله الحرام على إخلاص دينهم لله وأن يتفقدوا أعمالهم ومقاصدهم حيث إن في مناسك الحج تربية على إفراد الله بالدعاء والسؤال والطلب مع التوكل عليه واللجوء إليه والاستغناء عن الخلق والاعتماد على الخالق وقال سبحانه " وإن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا " لا نبيا ولا وليا ولا مكانا ولا رسما لافتاً النظر إلى أنه لا يجوز أن يحول الحج إلى ما ينافي مقاصده فلا دعوة إلا إلى الله وحده ولا شعار إلا شعار التوحيد والسنة فالدين دين الله والشرع شرعه والواجب على من بلغه كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتبع الحق ولا يترك القرآن والسنة لقول أحد مهما كان .
وقال فضيلته إن الوهن قد تسرب للأمة بقدر ما تسرب إليها من البدع والمحدثات والانحراف عن الطريق الحق وإذا كان المسلمون اليوم يلتمسون طريقا للنهوض فليس لهم من سبيل إلا وحدة جماعتهم ولا سبيل إلى وحدتهم إلا على الإسلام الصحيح والإسلام الصحيح مصدره القرآن والسنة وهو ما عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم".
وأضاف "الحج عبادة فريدة تجمع ملايين البشر المتدفقين لأداء النسك شوقا التاركين لدنياهم طوعا فأي مشهد أبهى من هذا التجمع الإيماني العظيم فيه اجتماع الأمة وائتلافها وظهور قيمها وأخلاقها قيم التسامح والإخاء والبعد عن الخلاف قيم المساواة والعدل والقناعة والبساطة في تجرد الحاج من متاع الدنيا في لباسه ومسكنه ومنامه فمنذ بدأ الحج في الإسلام وموسمه الجامع ينتهز للتوجيهات الكبرى للأمة المسلمة فهو ملتقى المسلمين ومثابتهم العظمى ففي حجة الوداع كان الخطاب العظيم الذي ألقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكرم جمع هو خطاب لم تع المسامع أرقى من مبادئه ولا أشرف من مقاصده وهو السجل الصادق لحقوق الإنسان وحريات الأمم .
ودعا إمام وخطيب المسجد الحرام حجاج بيت الله الحرام إلى تعلم أحكام المناسك وتحري صحة أعمالهم قبل إتيانها والاشتغال بالعبادة والطاعات والإكثار من الدعاء والتضرع لله بذكره في كل الأحوال والاجتهاد في تمام الحج وتقوى الله فيما يأتون ويذرون والإخلاص لله في عملهم وقصدهم وإتباع الهدى والسنة واجتناب ما يخرم حجهم أو ينقصه وبالرفق والسكينة والطمأنينة والشفقة والرحمة بإخوانهم المسلمين لا سيما في مواطن الازدحام وأثناء الطواف ورمي الجمار وعند أبواب المسجد الحرام واستشعار عظم العبادة وجلالة الموقف.
وقال فضيلته "واعلموا أن الدولة برجالاتها وأجهزتها ومؤسساتها تبذل جهودا هائلة لخدمتكم وتيسير حجكم والنظام وضع لمصلحتكم والجهود كلها لأجلكم فالتزموا التوجيهات واتبعوا التعليمات واستشعروا ما أنتم فيه وكونوا على خير حال في السلوك والأخلاق وألزموا السكينة والوقار واجتهدوا وسددوا وقاربوا وأبشروا وأملوا فإنكم تقدمون على رب كريم .
المسجد النبوي وفي المدينةالمنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم جموع المسلمين بتقوى الله والتمسك بالعروة الوثقى, داعياً حجاج بيت الله الحرام على استغلال مناسك الحج بالإكثار من الطاعات, والعبادات, والدعاء في هذا الموقف العظيم الذي يباهي الله به ملائكته, ويغفر فيه لعباده المتقين .
واستشهد في خطبة الجمعة اليوم بآيات من القرآن الكريم, ومن أقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم التي تبين عظمة هذه العبادة العظيمة, مبيناً أن الحج ركن من أركان الإسلام أقسم الله بالزمان الذي هو فيه فقال تعالى (( وَلَيَالٍ عَشْرٍ )), وأقسم بالمكان الذي يؤدى فيه فقال ((لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ)), وقال ابن كثير رحمه الله "هذا قسم من الله بمكة أم القرى في حال كون الساكن فيها حالاً لينبه على عظمة قدرها في حال إحرام أهلها ", وهو من أفضل الأعمال عند الله, حيث سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل: قال, إيمان بالله ورسوله, قيل ثم ماذا ؟ قال : جهاد في سبيل الله, قيل ثم ماذا؟ قال : حج مبرور) , وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفه), كما قال عليه الصلاة والسلام ( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه).
وقال "إن الحج ركن مليء بالدروس والعبر, أعظم مقصد فيه توحيد الله وإفراده بالعبادة, والدخول فيه بإعلان التوحيد والبراءة من الشرك, بالتلبية, لبيك اللهم لبيك, لبيك لاشريك لك لبيك, مشيراً إلى أن بناء الكعبة المشرفة جاء لإظهار التوحيد والتنزه من الشرك, لقوله تعالى ((وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )), وإنه إذا ظهر التوحيد في الأوطان حلَّ الأمن والأمان فيها, لقوله تعالى (( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا )).
وأضاف "إن الحج يتجلى الإيمان بالرسل وتتجدد محبتهم, فالنحر والرمي والطواف سنة أبينا إبراهيم عليه السلام, والدعاء هو العبادة, ودعوات الحاج ترتجى إجابتها ودعوات الخليل إبراهيم بقبول العمل والثبات على الإسلام ورؤية المناسك, ودعوته ببعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وأن تكون مكة بلدأً آمناً والرزق فيه داراً, والناس تهوي إليها, وأن يجنب وأبناءه عبادة الأصنام, وأن يكون هو وذريته من مقيمي الصلاة, ودعا لنفسه وللمؤمنين بالمغفرة .
وحث إمام وخطيب المسجد النبوي الحجاج على اغتنام مناسك الحج بالإكثار من الدعاء أسوة بالأنبياء, والتوكل على الله, حيث بنى إبراهيم عليه السلام الكعبة متوكلاً على الله, قال عز وجل ((رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ )) , فرأى الناس ثمرة توكله, ((فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)).
وعدّ فضيلته, اجتماع الخلق في موقف واحد تذكيراً بفضل هذه الأمة وعظمة دينها, وتوثيق عقيدة الولاء والبراء, فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن ينادي في الموسم ( ألا لا يحج بعد العام مشرك) , مشيراً إلى أن في مناسك الحج مخالفة الكفار في عباداتهم الجاهلية من التلبية وزمن الدفع من مزدلفة وكثرة ذكر الله وحده بعد انقضاء النسك, ذاكراً قول ابن القيم رحمه الله (استقرت الشريعة على قصد مخالفة المشركين لاسيما في المناسك)".
وقال الشيخ عبدالمحسن القاسم إن الحج أطول عبادة بدنية وأدقها في الإسلام, والعبادات فيه متنوعة من تلبية وطواف وسعي ومبيت ورمي وحلق ونحر, وأن تعظيم الشعائر فيها وتكميل العبودية فيها من تقوى القلوب, وفي النسك حث على توطين الصبر على الطاعات, وأورد ما روته عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل, أفلا نجاهد؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (لا , ولكن أفضل الجهاد حج مبرور).
وأبان فضيلته أن الاستجابة لله وإن لم تظهر الحكمة للمأمور من واجبات الاستسلام لله, إذ قال الله لإبراهيم عليه السلام وهو في وادٍ غير ذي زرع ((وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا)) فاستجاب لأمر الله وأذن بالحج, فقدم الناس أفواجاً إلى بيت الله الحرام متشوقة إليه نفوسهم, باذلة في سفرها الأموال وهي فرحة مستبشرة, مشدداً على أن الحج ركن يحقق الامتثال لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم.
وأكد فضيلته أن العبادات مبناها على الإتباع ولا محل فيها للابتداع, فالطواف والسعي سبعة أشواط وتخفى حكمة عددها على العقول, لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للحجيج حيث قال عليه الصلاة والسلام : ( لتأخذوا عني مناسككم).
وحث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي حجاج بيت الله الحرام على الحرص على استغلال أوقاتهم خلال أدائهم مناسك الحج للتزود بالتقوى, مبيناً أن القلوب تحيا بذكر الله, لقوله تعالى ((وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)) كما خصّ تعالى مواطن يكثر فيها من ذكره سبحانه, فقال عز وجل ((فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ . وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ )), كما قال سبحانه, ((ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ )).
وقال إذا انقضى الحاج من المناسك أمره الله بالإكثار من ذكره فقال (( فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا )), مشيراً إلى أن في الحج غرس للصفات والأخلاق الحميدة, والحث على كل خير, وفيه ترسيخ مبدأ الأخوة وتبادل المنافع الدينية والدنيوية, كما أن في شعار الحج ألفة المجتمع ولحمته, وثمرة الحج الفوز بجنات النعيم لقوله صلى الله عليه وسلم ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).
وتابع يقول "طوبى لمن حج بيت الله الحرام مخلصاً نيته لله تعالى, مقتدياً في نسكه بالنبي صلى الله عليه وسلم, راجياً ثواب الله والدار الآخرة, لافتاً النظر إلى أن الله تعالى لطيف بعباده فمن لم يستطع حج البيت شرع له التكبير والتهليل في هذه العشر المباركة, وصوم يوم عرفة لغير الحاج فيه تكفير للخطايا لقوله صلى الله عليه وسلم ( صيام يوم عرفه أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده) متفق عليه.