أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ سعود بن إبراهيم الشريم المسلمين بتقوى الله عز وجل والالتزام بشرع الله سراً وعلانية والاستقامة على دينه والعض على سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم بالنواجذ وحذرهم من الشذوذ والاختلاف والفرقة. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس: الكعبة المشرفة رمز خالد وبناء شامخ وقبلة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها تطاول الزمان وتتعاقب عليها الأجيال زمنا بعد زمن فوجاً اثر فوج ، سلك الطرق إليها أنبياء ورسل قد رفعوا أصواتهم بالتلبية لباريهم وخالقهم جل وعلا استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام التي أمره الله بقوله (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على مارزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير) . وأضاف: إن هذا الموسم العظيم ليذكرنا بكليم الله موسى عليه السلام وهو ينحدر من الوادي حاجاً يلبي لخالقه ومولاه هذه التلبية العظيمة التي يقول عنها النبي صلى الله عليه وسلم (ما من ملب يلبي إلا لبى ما عن يمنيه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا) ، إن هذا الموسم العظيم ليذكي لنا أطياف الأنبياء وهم يتجردون لله حاجين مهللين وملبين. إن هذه الأطياف لتربط حاضرنا بماضينا وتذكي مشاعر الفخر والاعتزاز بهذا الدين وبقبلة المسلمين العامرة ولن يكون هذا نهاية المطاف فإن الأجيال ستتعاقب على بلوغه والتلبية والتهليل على عرفات وكأن طيفاً يداهمنا حينما نذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجاً أو معتمراً) ، وحج عيسى عليه السلام سيكون بعد نزوله آخر الزمان ، إنه البيت المعمور الذي لا ينقطع عنه المصلون ولا الطائفون ولا الساعون ولا الملبون له في كل لحظة عمار وتهفو إليه في كل ثانية أشواط وأفئدة محفوظ محمي بحفظ الله وحمايته رد الله كيد أبرهة فجعله في تضليل وأرسل عليه طيراً أبابيل ليكون آية وعبرة لكل من مهم بالكيد في بيته أو الإلحاد في حرمه . وخاطب الشيخ سعود الشريم حجاج بيت الله الحرام بقوله: إنكم قد تلبستم بنسك تذكى فيه الأجواء الروحانية وتستنشق من خلاله نسمات إيمانية تجعلكم من الله أقرب وعن معصيته أبعد تلامسكم أنفاس الأخوة والعدل والمساواة ، ستناجون في هذا النسك ربكم بلغاتٍ مختلفةٍ لا تشغله لغة عن لغة ولسان عن لسان ولادعاء عن دعاء بل يجيب دعوة هذا ويغفر زلة ذاك ويرى دمعة هذا ويسمع همس ذاك ، لنجعل من الحج نقطة انطلاقة لترجمان حكمه وأسراره بين المسلمين في شتى الأقطار ليحمل كل حاج منّا في نفسه معنى الوحدة والتلاحم والتآخي والعدل مهما اختلفت الألسن والألوان. وليكون الوحي هو سلطانهم جميعاً متمثلاً في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لنحقق بذلك قول البارئ (ليشهدوا منافع لهم) ، إذ أي منفعة أشد من التعارف والتآلف برابط الكتاب والسنة . وبين أنه يشرع للحاج في اليوم الثامن من ذي الحجة أن يحرم بالحج إن كان متمتعا أو مفرداً أو قارناً فهو لا يزال في إحرامه ويستحب للحاج في اليوم الثامن أيضاً أن يتوجه إلى منى قبل الزوال فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصراً من دون جمع فإذا صلى فجر اليوم التاسع وطلعت الشمس توجه إلى عرفة وهو يلبي أو يكبر فإذا زالت الشمس صلى بها الظهر والعصر جمعاً وقصراً بآذان وإقامتين ثم يقف بها ، وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة فيكثر فيها من التهليل والتسبيح والدعاء والاستغفار ، ويتأكد الإكثار من التهليل لأنه كلمة التوحيد الخاصة. وقال فضيلته: إذا غربت الشمس أفاض الحاج من عرفة إلى مزدلفة بسكينة ووقار فلا يزاحم ولا يؤذي ، ثم يصلي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً بآذان وإقامتين ، ثم يبقى بها حتى طلوع الفجر إلا الضعفة فلهم أن ينصرفوا بها بعد منتصف الليل فإذا صلى الحاج الفجر بالمزدلفة وقف عند المشعر الحرام استحباباً ، والمزدلفة كلها موقف فيدعو الله طويلاً ثم يسير إلى منى فيرمي جمرة العقبة وهي أقرب الجمرات إلى مكة يرميها بسبع حصيات صغيرات يكبر مع كل حصاة ثم ينحر هدية إن كان متمتعاً أو قارناً ثم يحلق ويحل من إحرامه فيباح له كل شيء حرم عليه بسبب الإحرام إلا النساء ويبقى في حق القارن والمفرد طواف الإفاضة وسعي الحج إن لم يكن سعى مع طواف القدوم وأما المتمتع فيبقى عليه طواف وسعي غير طواف العمرة وسعيها ثم بعد الطواف يحل للحاج كل شيء حرم عليه بسبب الإحرام حتى النساء ولا يضر الحاج ما قدم أو آخر من أفعال يوم النحر. وأضاف: ثم يبيت الحاج بمنى أيام التشريق وجوباً لفعل النبي صلى الله عليه وسلم ولقوله (خذوا عني مناسككم) ، فيرمي الجمرات في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر إن لم يكن متعجلاً كل جمرة بسبع حصيات يبدأ بالجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى والسنة في الرمي في هذه الأيام بعد الزوال لفعله صلى الله عليه وسلم ، ومن أراد أن يتعجل فليرمي بعد الزوال من اليوم الثاني عشر ثم يخرج من منى إلى مكة ولا يضره لو غربت عليه الشمس وهو لم يخرج من منى ثم يطوف بعد ذلك طواف الوداع. وفي المدينةالمنورة أوضح إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن القاسم منافع الحج ومقاصده وفضل شعائره. وقال: تتولى مواسم الخيرات محفوفة بفضل الزمان وشرف المكان وأفئدة المسلمين تهفو لبيت معمور يتجهون إليه كل يوم ، ( فولي وجهك شطر المسجد الحرام ). وأنظارهم تتطلع لبقاع مباركة تتجدد فيها العبر والعظات ، قال سبحانه ( فيه آيات بينات ). الأمن والأمان في ربوعه بأمان من الله ، ( ومن دخله كان آمناً ). نفعه متعدد للحاضر والباد ، ( ليشهدوا منافع لهم ). الأرزاق إليه دارة والنعم حوله متوالية ، ( أولم نمكن لهم حرماً آمناً يُجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون). ركاب الحجيج ميممة بيت الله العتيق منكسرة في رحابه راجية موعود الله وجزيل نواله مستقبلة طاعة من أجل العبادات وركن من أركان هذا الدين . وأضاف حج بيت الله الحرام باب رحب لحط الآثام والأوزار ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه عند إسلامه ( أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله ). فيه غسل أدران الذنوب والخطايا ، قال عليه الصلاة والسلام ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه). ثوابه جنات النعيم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ). وبين أن في الحج منافع وعبر توحيد الله وإفراده بالعبادة شعار الحج وافتتاح النسك لبيك اللهم لبيك استجابة لأوامر الله وأعظم أمر أمر الله به لبيك لا شريك لك لبيك ، وهو الإقرار بالتوحيد أساس الدين وأصله وشرط قبول الأعمال. إن الحمد والنعمة لك ، فيها تذكير بإسداء النعم والثناء على المنعم لتُصرف الأعمال له وحده. وأفاد أن في التجرد من المخيط تذكر بلباس الأكفان بعد الرحيل وإرشاد إلى التواضع ونبذ الكبرياء ، خاضع للجبار مستكين للرحمن وفي رؤية البيت المعمور مشهد لإخلاص الأعمال لله ، نبيان عظيمان يرفعان أشرف معمور ومع هذا يسألان الله قبول العمل ، ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ). قال الحسن البصري رحمه الله ( المؤمن جمع إحساناً وشفقة والمنافق جمع إساءة وأمناً والمخلص يعمل لله لا يريد بعمله رياءً ولا سمعة ولا مباهاة ولا مفاخرة بل طلب رضا الله وتكفير السيئات ويسأل الله العون على العبادة ). وقال الشيخ القاسم : للطواف وقع على القلوب ومهابة في النفوس في بساط بيت الله الآمن فلا موطن على الأرض يُتقرب فيه إلى الله بالطواف سوى ما حول الكعبة المشرفة ، ( وليطوفوا بالبيت العتيق ). وفي تقبيل الحجر الأسود حسن الانقياد لشرع الله وإن لم تظهر الحكمة ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك). والتوكل نصف الدين وفي السعي بين الصفا والمروة تذكير بأم إسماعيل مع أبنها بوادٍ لا زرع فيه ولا ماء فسعت بين جبلين قفرين طلباً لماء لها ولصغيرها وما رجا أحد ربه فخاب ظنه فيه فكان زمزم من ثمار توكلها على ربها آية للناس بعدها . ولفت النظر إلى أن على المسلم التمسك بالسنة وحسن الإتباع في أداء مناسك الحج لقوله عليه الصلاة والسلام ( لتأخذوا عني مناسككم) ، واقتفاء أثره في كل طاعة وعدم تتبع الرخص في الحج أو غيره ، ( وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ). وتحدث عن يوم عرفة ، وقال : هو يوم مبارك وهو ملتقى المسلمين المشهود ويوم رجاء وخشوع وذل وخضوع يوم كريم على المسلمين ، قال شيخ الإسلام رحمه الله الحجيج عشية عرفة ينزل على قلوبهم من الإيمان والرحمة والنور والبركة ما لا يمكن التعبير به. والدعاء عظيم المكانة رفيع الشأن وأفضل الدعاء دعاء ذلك اليوم ، قال عليه الصلاة والسلام ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) ، قال ابن عبدالبر رحمه الله ( دعاء يوم عرفة مجاب كله في الأغلب ). يوم يكثر فيه عتقاء الرحمن ويُباهي بهم ملائكته المقربين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما من يوم أكثر من أن يُعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو ثم يُباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ). قال ابن عبدالبر رحمه الله ( وهذا يدل على أنهم مغفور لهم لأنه لا يُباهي بأهل الخطايا والذنوب إلا من بعد التوبة والغفران ). وأكد أن في اجتماع الحجيج في المشاعر تذكير بيوم الحشر لفصل القضاء ليصيروا إلى منازلهم إما نعيم وإما جحيم. وأن النسك عبادة محضة لله يتقرب بهم المسلمون لربهم من هدي أو أضحية ، ( لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ). وفي وضع النواصي بين يدي ربها حلقاً أو تقصيراً استسلام لهيمنة الله وخضوع لعظمته وتذلل لعزته. وأن في ذكر الله حياة للقلوب والإكثار منه في المشاعر مقصد من مقاصد أداء تلك الشعيرة ، قال تعالى ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ).