عاد المواطن حسن الثعلبي (42 عاماً) إلى أسرته سالماً معافى، بعد أن قضى ثمانية أيام في عرض البحر، لا أمل له في النجاة إلا في الله تعالى، ولا أنيس له في البحر سوى هدير الأمواج، يخفق قلبه مع مشاهدة كل سفينة تعبر البحر الأحمر آملاً أن تكون قادمة لإنقاذه، إلا أنها سرعان ما تمر مرور الكرام تاركته خلفها يصارع المصير المجهول. والتقته "سبق" في مقر إقامته بمركز المجيرمة، 80 كلم شمال الليث، لحظة تكريمه من قبائل الثعالبة الأشراف، الذين نصبوا الصيوان، وأعدوا الولائم فرحاً بعودته للحياة من جديد.
وحكى "الثعلبي" قصته منذ خروجه من منزله إلى عودته إليه بقوله: خرجت من منزلي ودخلت البحر في تمام الساعة الخامسة فجراً من مركز المجيرمة كعادتي في كل يوم، حيث تعودت أن أبحر صباحاً، وأعود ظهراً جالباً معي قوت يومي مما يقسمه الله لي.
وأضاف "الثعلبي": في ذلك اليوم وبعد أن قضيت في داخل البحر أكثر من ست ساعات، شعرت أن طريقي ليس هو الطريق الذي أريده، فرغبت في العودة، لكن الأجواء كانت سيئة جداً، فشاهدت قوارب قريبة مني، فاتجهت لها وسألت أحد الصيادين، وكان هندي الجنسية، فدلني على الطريق الذي يوصلني إلى البر، لكن يبدو أنني لم أسلك الاتجاه الصحيح، أو أن الذي دلني كان اتجاهه خاطئاً.
ويستطرد "الثعلبي" بقوله: عبرت باتجاه الغرب في البحر عدة ساعات، حتى نفد الوقود وتوقف القارب وأصبحت الرياح هي من تتحكم فيَّ، حتى أصبحت أذهب معها كيفما شاءت فمرة هنا ومرة هناك، لكنني مازلت في وسط البحر ولا أرى على مد بصري سوى سماء فوقي وبحر تحتي، فاستسلمت لقدر الله وواصلت مع اتجاه الرياح غرباً، حتى حل الظلام عليَّ وأنا لا أعلم أين أنا من الأرض، لكن الأمل كان يحدوني أنني لن أموت رغم أن هاتفي المحمول فقد الشبكة، وأصبح في يدي لا فائدة منه، كما أنه لا يوجد على قاربي سوى قارورة ماء، وقطعاً من "الشابورة".
ويكمل "الثعلبي": قضيت ثلاثة أيام بفضل الله تعالى لم أشعر فيها بالجوع، لكن كان ليلها أسوأ من نهارها، فأنا في البحر لا أرى شيئاً من حولي ولا أسمع سوى هدير الأمواج، وأنا رهينة الرياح تجرفني كيفما شاءت ولا أشاهد قربي شئياً، سوى عدد من السفن العملاقة التي كانت تمر بجواري، وعددها 15 سفينة على مدار الأيام الثلاثة الأولى، وكنت أصيح عليها بأعلى صوتي، لكن لا حياة لمن تنادي، فتلك السفن تمر مرور الكرام وتتركني خلفها، ومع بداية اليوم الرابع جرفتني الرياح شرقاً، هذه المرة شعرت بالجوع فأخذت قطرة ماء أبل بها شفتاي وقطعة من الشابورة، أمسك بها بطني وعند الساعة 11 ظهراً عاد لي الأمل من جديد حين شاهدة زورقاً على مسافة 6 كلم، تأكدت أنه زورق حرس الحدود ففرحت فرحاً شديداً، وأحسست أن الأمل في الحياة بدأ يعود من جيد، لكن الفرحة لم تتم، إذ إن القارب عاد من حيث أتى.
أكملت يومين وأنا في مكان لا أستطيع تحديده، ومع بداية اليوم السادس هبت الرياح لتجرفني باتجاه الجنوب معلنة قرب موعد الفرج، حيث شاهدت حين توقفت في إحدى الشعب عند الساعة التاسعة صباحاً عدداً من القوارب، فأبحر أحدها من مسافة بعيدة عني وبقي الأمل يحدوني في قاربين بقيا، فانتظرتهما لمدة ساعة كاملة، وعندما تحرك القاربان عند الساعة 12:30 ظهراً، مرا بجواري فاستنجدت بهما، فحين اقتربا مني إذ بهما ستة من الفلبينيين على متن القاربين، كل قارب على متنه ثلاثة أشخاص، فأبلغتهم أنه مضى عليَّ ثمانية أيام في البحر، حينها ألقوا عليَّ قارورتي مياه صحية فشربتهما جميعاً على نفس واحد، ثم أحضروا لي طعاماً، فطلبت منهم المساعدة وإنقاذي فقاموا بنقلي معهم إلى داخل القارب وسحب قاربي، وتم إيصالي لمركز حرس الحدود بالقنفذة، حيث استغرقنا في السير حتى الوصول ساعتين ونصف الساعة.
وبيَّن "الثعلبي": عند وصولنا لمركز حرس الحدود قلت إنني مواطن مفقود منذ ثمانية أيام، وأبرزت لهم هوية القارب الذي أملكه، فوجدت أن لديهم بلاغاً رسمياً عني، وأنه تم البحث عني طوال الأيام الثمانية، التي كنت مفقوداً فيها ولم يعثر عليَّ، فأخبرتهم أن هؤلاء الفلبينيين هم من أنقذوا حياتي بعد الله بعد أن عثروا عليَّ في عرض البحر، فتم إنهاء الإجراءات الرسمية ونقلي لمركز قيادة حرس الحدود بالليث، قبل أن يتم تحويلي لمستشفى الليث العام لإجراء الفحوصات الطبية التي أثبتت أنني سليم، ولله الحمد، ثم عدت لأسرتي التي وجدتها بأحر الشوق في انتظاري، حيث كانت الدموع هي عنوان اللقاء من والدي وأبنائي وأشقائي، وكل أبناء قبيلتي الثعالبة الأشراف.