أكد الداعية وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود الدكتور سعيد بن غليفص القحطاني أن نعمة الأمن والوطن لا تقدّر بثمن، وطالب في محاضرته التي حملت عنوان "الوطن بيتنا الكبير"، باستشعار هذه النعم التي أفاء الله بها على أهل هذه البلاد، وأخذ العبرة والعظة، مما يحدث في الدول المحيطة من أحداث ومضلات الفتن. وقال "القحطاني" في محاضرته التي ألقاها ضمن البرنامج الدعوي "صفوة الكلام من جوار البيت الحرام " بمصلى أبراج الصفوة المقابل للمسجد الحرام: "لولا الله ثم نعمة الأمن لما رأيتمونا مجتمعين في هذا المكان الطيب بجوار البيت العتيق، إنها نعمة لا تقدّر بثمن، وكلّ منّا قرير العين يؤدي نسكه آمناً مطمئناً، فلا يعرف قدر قيمة الأمن إلا من ابتلي بالخوف ، ولا يعرف قدر قيمة الوطن إلا من ابتلي بالغربة والتشريد، فبضدها تتبين الأشياء".
وطالب بشكر الله عز وجل على هذه النعم المتمثلة في الأمن بالأوطان والصحة في الأبدان"، وقال: "علينا ألاّ ننسى وألاّ نغفل وألاّ نطغى، فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها"، وإن الله وعد بالزيادة لمن شكره وحينما تشكر الله بقلبك وتعترف له بالفضل والمنّ سبحانه ، وتثني على الله بلسانك وتتحدث بنعم الله ، وتشكر الله بأعمالك في الطاعة والعبادة وفعل الخير فقد حققت أركان الشكر الثلاثة التي وعد الله بالزيادة عليها كما قال تعالى "لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد"، فاذا كنت في نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم".
ودعا "القحطاني" إلى الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية باستشعار نعمة الأمن، وقال: "اتعظوا واعتبروا مما يحصل من حولكم من أحداث، ونسأل الله أن يفرج على المسلمين وأن يعجّل لهم بالأمن والاطمئنان ورغد العيش وأن يعيذهم من مضلات الفتن، فهي فتن كقطع الليل المظلم، يربط الرجل وينتهك عرضه أمام عينيه فلا يستطيع أن يفعل شيئاً".
وأضاف: "ما يحدث حولنا هو من باب قهر الرّجال الذي تعوذ منه صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ"، ومن ثم يجب علينا أن نكون ممن يدعو الله ليلاً ونهاراً سراً وجهاراً أن يديم هذه النعم على بلادنا و بلاد المسلمين كافة حيث يصاب الإنسان ويحزن حينما يرى من يصاب من المسلمين ويفرح بفرح المسلمين ، وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كمَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".
وتطرق "القحطاني" إلى أسباب حفظ الله لنعمة الأمن، بقوله: "أولاً لابد من تحقيق التوحيد وإفراد الله بالعبادة قال تعالى "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ"، وهذا يعني أن أهل التوحيد آمنون في حياتهم وآمنون في قبورهم وآمنون يوم بعثهم ونشورهم قال تعالى" أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ "، وأتساءل كيف لا نخاف من الشرك؟ وهذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام يخاف مع أنه يستحيل أن يقع منه الشرك "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ" وأتساءل كذلك كم من الأصنام في هذا الزمان؟ هناك أصنام الشهوات والشبهات والخباثات التي تعلقت قلوب كثير من الناس بها نسأل الله السلامة والعافية، فالعبودية عندما تكون خالصة لله تعيش مطمئناً وكريماً".
وأضاف: "السبب الثاني لحفظ نعمة الأمن هو التمسك بالعقيدة يقول صلى الله عليه وسلم : "تركتُ فيكم ما إن تمسكتم بهِ لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي"، فاغرسوها في نفوسكم وأرضعوا هذه العقيدة أولادكم مع الرضاعة فعقيدة أهل السنة والجماعة نور بين ظلمتين ويسر بين عسرين ، قال تعالى "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا".
وأردف الشيخ "القحطاني": "أما السبب الثالث فهو اتباع السنة يقول تعالى: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، ويقول تعالى "وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ".
ووصف الشيخ "القحطاني" العلاقة الوثيقة بين الأمن والمجتمع ب"السفينة الواحدة" التي ينبغي على الجميع بناؤها والحرص على سلامتها كما يقول صلى الله عليه وسلم "احرص على ما ينفعك "، وقال: "المفهوم من كلامه صلى الله عليه وسلم هو الابتعاد عن الشيء الذي لا ينفعك، فضلاً عن الشيء الذي يضرك سواء في أمر دينك أو دنياك".
وأضاف: "الوطن هو بيتك الكبير الذي تعيش فيه وأنت مسؤول عن سلامته وتساهم في بنائه وتحرص على نمائه ولا يعقل أن الرجل العاقل يهدم بيته الذي يسكنه، ولا يعقل أيضاً أن الرجل العاقل يلوّث طعامه الذي يأكل منه أو يبول أكرمكم الله في الماء الذي يشرب منه".
وأردف: "نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يحب وطنه لمّا أخرج من مكة قال: "والله، إنّكِ لأحَبّ البقاعِ إلى الله وأحبّ البقاع إليَّ، ولولا أني أُخرِجتُ منك ما خَرَجتُ ".
وشدد على ضرورة الحذر كل الحذر من الشائعات الكاذبة التي أصبحت تبلغ الآفاق بسبب وسائل الاتصال الاجتماعي، وقال: "البعض من الناس يرجف في الأرض ويضخّم الأخبار ونحن بأمس الحاجة إلى وحدة الكلمة واجتماع الصف وتآلف القلوب والطمأنينة والسكون ولابد أيضاً من تنمية حب الوطن لدى أولادنا".