دعمت آراء عديدة مناصرة قضية إيقاف الكاتب السعودي عبدالعزيز البرتاوي عن الكتابة من قبل صحيفة عكاظ، وأيد كثير من هذه الآراء دعوى حرية الصحافة ضد أي شيء يمكن أن يمس بميثاق المهنة وشرفها. وجاءت هذه الآراء عبر عدد من المواقع الإلكترونية وفي عدد من المقالات من أهمها احتشاد عدد من المناصرين في موقع على الفيس بوك. ويأتي تصاعد قضية الكاتب البرتاوي بعد أن كتب مقالاً في صحيفة عكاظ يوم الخميس الماضي تحت عنوان "وعلى الأرض الكلام"، تعرض فيها لخطبة رئيس أساقفة بيروت بولس مطر في الكنيسة المارونية، تدخل على إثره وزير الإعلام السعودي آمراً بحذف المقال من جريدة عكاظ الإلكترونية، وبالاعتذار للكنيسة اللبنانية، عن طريق السفير السعودي في لبنان، علي عوض عسيري، الذي سارع بالإتصال بالأسقف الأكبر، مبيناً له أن هذا لا يمثل الموقف الرسمي للمملكة، ولا يتماهى مع خطوط الصحافة الأصيلة. وكان الكاتب قد وصف في مقاله مشاهد من احتفالية الكنيسة المارونية اللبنانية والتي عارض فيها الكاتب بعض ما جاء في خطبة عيد الميلاد على لسان أحد أبرز مطارنتها رئيس أساقفة بيروت الأسقف بولس مطر. ورأى البرتاوي في مقاله أيضاً أن "في خطاب (الشيخ) المسيحي، عدة أمور. غير أن أبرزها، حين مرر إشكالات لبنان، هذا البلد الترمومتر المضطرب، على سياقات من الإنشاء، وتماثيل من الكلام، محاولا بين الفينة والأخرى، إبداء استيائه لما يجري، داعياً إلى لحمة واحدة، حقيقة ومتماسكة". وأضاف أن "المشكل الحقيقي تم، حين قرر السيد المسيحي الأكبر الليلة، ما مفاده التالي: أن لا سلام للبنان، ولا للبنانيين، إلا حين تجمعهم كلمة «أبانا» الذي في السماء، ودفء بيت واحد هو هذا الذي نقبع فيه اللحظة: "الكنيسة". ضارباً عرض الحائط، بوجود المنائر الملاصقة لحائط كنيسته، وبالعابرين المسلمين، وبحوارات الأديان، الممتدة من الرياض إلى مدريد، وبوجود الأكثرية المغايرة لدينه، في بلد، ينام على الفتنة، ولا يصحو إلا على ضجيجها". واعتبر "أنها لغة لا يمكن أن تصدر من سياسي، سوى لحظة ارتجال بلهاء بوش مثلا في 2001 ، كيف إن تكن في ساعة بقداسة ساعة الميلاد، وبجلالة الذكرى، وبحضور هذا الكم المتنوع من الفئات والطوائف والأعراق والأديان في لبنان. ومن رجل قدر أن يكون أعرف الناس بفحوى كلمة: وعلى الأرض السلام"، وأن هذا "إشكال أن يدعو أحدهم إلى دينه آن تقرر حقائق الأديان في بلدانٍ بعينها، وأكبر إشكالية منه، حين يجزم رجل دين طائفة ما، أن لا سلام للطوائف المتبقية في بلده، ولا وجود لهم، إلا إن انضموا تحت لواء دينه السمح العظيم الجميل الكريم". كما كتبت صحيفة "عكاظ" السعودية الصادرة صباح اليوم الثاني من تاريخ كتابة المقالة اعتذارا من رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر واعتبرت أن ما نشر بالأمس تحت عنوان "وعلى الأرض الكلام" لعبد العزيز البرتاوي، يناهض المعنى والمبنى للصوت الحصيف، وتنتفي أمامه مسارات التجرد والمصداقية التي أعلتها الصحيفة، وظلت تنحاز إليها. وبأنّ كلمات المطران بولس مطر، تأكيدية معضدة لمستشرف "عكاظ" التنويري المتماهي مع الحقيقة: "إنها صحيفة، كانت ومازالت، عزيزة علينا، ملؤها احترام للمرجعيات الروحية في لبنان، وتدرك جيدا حساسية ما يتميز به لبنان من تنوع ديني ومذهبي وفكري". إذن نخلص هنا إلى أن ما نشر لا يعدو أن يكون حالة تعبيرية خاصة بكاتبها الذي غابت "عنه وقائع وحقائق هي بحد ذاتها أطر بنيت عليها جهود حثيثة في بث روح التسامح وإشاعة النور. وقال الكاتب السعودي مهنا الحبيل أن أوساطٌاً صحفية لبنانية تبنت الهجوم على الكاتب البرتاوي، ثم استضيف المطران في مداخلة للLBC ، وما هي إلا ساعات حتى نكّلت صحيفة عكاظ بزميلها بعد تدخل مسئول كبير فندَّدت به وأبعدته – ما قصة LBC تحتفي بممارسة إباحية لشبان سعوديين وتحرض لطرد الصحفيين..؟ وبعد أن تأملت مقال البرتاوي ومداخلة الأب مطران وعظته كان أول ما يجدُر الإشارة إليه أن المطران نوَّه ضمنيًّا بأن النص لم يُفهم كما يُريد، وهذا يعني أن التفسير الخاطئ الذي ليس في مصلحة الأب تمّت إزالته أو توضيحه لدى المسلمين الذين تناقلوا خبر عظته، وفي هذه بلا شك يُشكر الكاتب البرتاوي. مبيناً أن أخلاقية البرتاوي كانت راقية ولم تكن تصعيدية، بل كانت تنطلق من الحرص على ضمان السلم بين المدنيين أينما كانوا وعاشوا وخاصة إخواننا مسيحيي لبنان ومقالته شاهدة بذلك, والخطأ الكبير لزملائنا في لبنان أنهم لم يتصلوا بالزميل البرتاوي ويأخذوا رأيه وتُناقَش القضية في فضاء الفكر لا إقصاء القرار مع قناعة كل المجتمع الإسلامي أن التسامح الواجب تجاهَ إخوانِهم لا يعني إلغاء أحقيَّة المؤمن بتوضيح رسالته، وهي كذلك لدى التبشير المسيحي, ولذا إقفال الحوار قبل فهمِ المسألة ليس سلوكًا حضاريًّا ولا مهنية إعلامية أيًّا كان من يتداولها. هذا وأسف رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن لما جاء على لسان البرتاوي، لافتا إلى أن الكاتب "حوّر كلام المطران مطر تحويرًا كاملاً فجاء معاكسًا لحقيقة ما قصده المطران مطر". وقد ردّ المطران مطر على الكاتب "الذي قرأ قراءة خاطئة ما قلناه وكان متسرّعاً ونسب إلينا نيات نحن منها براء، وهي ليست لنا وحكم علينا حكماً قاسياً وقال كلاماً لا نستحقّه". وأضاف مطر وكل ما قلناه حول الوضع في لبنان ومن أجل لبنان هو: أن اللبنانيين عندما يتقربون بعضهم من بعض روحيا ويكون لهم رب واحد في السماء يؤمنون به ينقذ وطنهم. وعندما يشعرون أن لهم بيتا واحدا هو لبنان وطنهم جميعا تنقذ بلادهم. وعلّق مطر في مداخلة على تلفزيون "المؤسسة اللبنانية للإرسال" (LBC) على ما جاء في جريدة «عكاظ»، فقال: "سامح الله كاتب المقال حول ما قلناه في عظة الميلاد المجيد قبل أسبوع. سامح الله كل من أخطأ وأساء إلي". وكتبت الصحف اللبنانية في افتتاحيتها أمس الأول عن تضامن إسلامي مسيحي، أمام "هجوم" غير مسبوق للصحافة السعودية عليها، وتتواصل الهجمة من قبل الإعلام اللبناني على الكاتب السعودي في ظل صمت من قبل الصحافة السعودية.