في خطوة جريئة تعتبر ترجمة واقعية وعملية وثمرة من ثمرات المبادرات التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في عدد من مؤتمرات حوار الأديان الداعية إلى بث روح التسامح والمحبة وشجب وتجريم الإساءة إلى الأديان ورموزها. تناولت عدد من وسائل الإعلام نهاية الأسبوع الماضي خبر تقدم السفير السعودي بلبنان علي عوض العسيري بالاتصال على المطران بولس مطر رئيس أساقفة بيروت المارونية، من أجل الاعتذار له، وذلك لما تعرض له من هجوم غير مبرر عبر مقال نُشر في إحدى صحفنا المحلية، الذي تضمن اتهاماً للمطران «بلحظة ارتجال بلهاء»، خلال العظة التي ألقاها في قداس عيد الميلاد يوم الجمعة الماضي، إذ وصف كاتب المقال المطران بالشيخ المسيحي، إضافة إلى إساءته فهم وتحريف لجمل من الموعظة التي ألقاها المطران، معتبراً السفير بأن ما ذكر في المقال لا يمثل الموقف الرسمي للدولة. وكذلك تقدمت الصحيفة بتقديم الاعتذار عن نشر ذلك المقال الذي وصفته بأنه حالة تعبيرية خاصة بكاتبه الذي غابت عنه الكثير من الحقائق. وفي المقابل فقد شكرت وثمنت أمانة سر مطرانية بيروت الاعتذار السعودي مشيدة بالجهود التي تبذلها في استمرار العلاقات الودية بين المسيحيين والمسلمين، وتعزيز أواصر المودة في ما بينهم جميعاً، بل إن المطران قال معلقاً على المقال في مداخلة له على تلفزيون «المؤسسة اللبنانية للإرسال» «LBC»: «سامح الله كاتب المقال حول ما قلناه في عظة الميلاد». إن مثل هذا الاعتذار الصادر من السفير السعودي يعتبر أنموذجاً وسلوكاً حضارياً ومرحلة متقدمة من الوعي الإنساني للتعبير عن روح التسامح والاحترام الديني، الذي يلعب دوراً كبيراً في احتواء الأزمات والتشنجات الدينية والمذهبية، وإيجاد أرضية مشتركة بين أتباع الديانات من أجل مساعدة العالم على التخلص من حال التوتر التي يعيشها. فإذا كان المسلمون لا يقبلون أي انتقاد يوجه لدينهم أو لرموز معتقداتهم، فكذلك من حق سائر الأديان والمذاهب الأخرى علينا الاحترام لمعتقداتهم ولرموزهم الدينية. لقد أصبح مبدأ الاحترام والتسامح الديني المتبادل في هذه المرحلة المدخل الحقيقي لإقامة سلام عادل ودائم، يسعى لتحقيق الخير للشعوب، وذلك لكونه يرسم صورة جديدة للفكر البشري غايته التآلف والتعاون وخدمة الإنسان، بوصفه إنساناً يرفض التمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين أو المذهب. لذلك أصبح من الضروري في هذا الوقت أن يعلو صوت العقل والمنطق الداعي للمحبة والسلام والمساواة والعدالة والاعتراف المتبادل، على كل الدعوات المتشددة القائمة على الكراهية الدينية تجاه الثقافات والأديان المتعددة والمختلفة، وأن نسعى لتقديم الإسلام في أحسن صورة له كدين يقبل التعددية والاعتراف والاحترام للآخر أياً كان لونه أو دينه. [email protected]