أكد عبدالله السمطي الناقد والأديب المصري المعروف أن الشاعر والأديب الراحل عابد إبراهيم العابد المولود في منطقة الجوف وهو أحد رواد الأدب العربي في المملكة ظل مغموراً، حتى وفاته، معتبراً أنه لم يأخذ ما يستحق من البريق الإعلامي إلا بعد انتقال روحه إلى ربها بعد أن ترك إرثاً أدبياً وثقافياً يزيد على عشرة مؤلفات مخطوطة . وبين السمطي خلال الأمسية التي أقامها نادي الجوف الأدبي في قاعة المحاضرات بمكتبة الأمير تركي بن عبدالعزيز بمحافظة دومة الجندل وهي مسقط رأس الشاعر والأديب الراحل العابد أنه من أهم الأدباء الذين تميزوا بأدب المراسلة في العالم العربي وذلك وفقاً لما وجد لديه من رسائل ووثائق تعد الأبرز منذ رسائل جبران ومي زيادة، مشيراً إلى ضخامة هذه المراسلات وتميزها إذ وصلته مع عدد كبير من الأدباء والمفكرين العرب الذين عايشوا العابد الجوفي وكان يتبادل معهم الرسائل حول الجديد في الشعر والنقد والقصة، مؤكداً أن من بين ما عثر عليه بأرشيف الشاعر وثيقة تشير إلى نجيب محفوظ وصلاته الكردية التي تعود إلى أربيل بالعراق في مراسلاته مع الشاعرة الكردية عايدة عبدالرحمن الأمير التي يوجد من مراسلاته معها ثلاثون رسالة تتضمن أحداثاً أدبية وشعرية وتبادلاً للكتب. وتشير الأديبة الكردية عايدة إلى وجود شخص اسمه محمد الكردي، وهو كردي وفي ذات الوقت ابن شقيقة الأديب نجيب محفوظ، ومن هذه الرسائل رسالة للعابد مع القاص الشهير عبدالله باخشوين، يعترف فيها ببساطة تعليمه وظروفه الحياتية الصعبة التي جعلته يهجر المدرسة مبكراً للعمل لإعالة أسرته، ويشير فيها إلى عدم إلمامه بأصول قواعد اللغة العربية نتيجة لعدم إكماله تعليمه، بعد أن لاحظ العابد وجود أخطاء لغوية ونحوية في مجموعة باخشوين القصصية (الحفلة)، مشيراً إلى أن مراسلات العابد كانت تتميز بالفنية مؤكداً على أهمية طباعة هذه المراسلات . وتحدث الأديب السمطي بالأمسية عن الحياة القاسية التي عاشها الأديب الراحل الجوفي في مصر بعد أن جاء إليها بحثاً عن العلم والأدب والتجارة ولاسيما أنه جاءها ومعه مبلغ لا يتجاوز الخمسين ألف ريال كان ينوي أن يؤسس بها مشروعاً تجارياً يعينه على الحياة هناك في ذلك الوقت إلا أنه تعرض للسرقة من قبل مجموعة من "النصابين" الأمر الذي دفعه لأن يتوجه إلى أحد الأطباء ميسوري الحال ممن تعرف عليهم بالصدفة ليشرح له معاناته ليقوم بعدها الطبيب بتأمين سكن للأديب الراحل وهو عبارة عن غرفة متهالكة رطبة تحت الدرج "البدروم" ليقيم فيها العابد لمدة أربعة أعوام، شغل نفسه فيها بالقراءة والتفرغ للأدب، وكون مكتبة كبيرة، وكان حاضراً دائماً في هيئة الكتاب المصرية وهيئة قصور الثقافة والملتقيات الأدبية في صالونات القاهرة، وصادق عدداً من أدباء مصر ومنهم أحمد فؤاد نجم وأنتج خلالها أكثر من 5 مؤلفات، منها دواوين شعرية وكتب نقدية وقصص قصيرة وبحوث، منها الشعراء الأحمدون وهو كتاب يعتمد على جمع مختارات شعرية للشعراء الذين يحملون اسم أحمد، وكان يعارض به كتاباً قديماً اسمه الشعراء المحمدون، حيث اكتشف أن عدداً كبيراً من الشعراء يحملون اسم أحمد، ومنهم المتنبي، وألف أيضاً كتاباً سماه مختارات الرثاء وسماه "نبع الحنان"، وألف مسرحيات شعرية بعنوان" أنا حرة"، وألف مجموعة قصصية بعنوان الكرسي ومجموعة أخرى بعنوان "ناس من الجوف"، بالإضافة إلى مجموعة من الدواوين الشعرية حتى سمح له بالعودة إلى السعودية بعد منعه أربع سنوات وأكد السمطي أن الجوفي الذي رحل عن سبعين عاماً عاش معظمها في ظل الحياة الأدبية، وفي ظل الإهمال النقدي والثقافي أيضاً، كان يبحث عن الكتابة الذاتية التي تحمل همومه، ورؤاه الجمالية البسيطة التي تنطلق من هم ورؤية رومانتيكية حقيقية، فقد كان العابد، الذي عاش ردحاً من الزمن بالرياض والطائف والجوف، وشهد تحولاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، يحلم بتواصل حقيقي مع الواقع الأدبي، مع المثقفين والأدباء والكتاب، وأن يلتفت أحد لتجربته وأن يقدمها ويقيمها ويقومها، لكن المدينة لا ترحم. إنه القناع الذي خشي أن يرتديه العابد، قناع التلون، أو الشللية، فآثر الابتعاد، منسحباً إلى ذاته، يقرأ ويكتب، ويؤلف حتى ترك مجموعة من الدواوين، والقصص، والكتب، لكنه لم يتمكن من طبعها في حياته لظروف اجتماعية ومادية ، مشيراً إلى أن تجربة العابد تبين مستويات الكتابة وتحولاتها. واعتبر السمطي أن الأديب الراحل كان يحمل هاجساً ظل يحلم به وهو أن تطبع أعماله في حياته، وأن يراها مقروءة بين أيدي الناس، لكنه لأسباب مادية لم يتمكن من ذلك، فعاش على صدى ديوانه الأول (همس الشوق) الذي أصدره بالرياض أواخر الستينيات (1968م) من القرن العشرين وترك العابد مجموعة من الأعمال الإبداعية والأدبية المخطوطة تتمثل في ثلاثة دواوين شعرية، وفي مجموعتين قصصيتين الأولى بعنوان (الكرسي) والثانية (ناس من الجوف) تضم المجموعة الأولى وهي مفسوحة من وزارة الإعلام (والثقافة فيما بعد) 22 نصاً قصصياً وكذلك ديوان "الشعراء الأحمدون" وهو ما جمع فيه العابد العديد من القصائد التي كتبها كل شاعر مبدع اسمه أحمد منذ العصر الإسلامي وحتى عصره، إضافة إلى العديد من المؤلفات الأخرى التي بقيت حبيسة الأدراج . وبين السمطي أن العابد حين عاد إلى الرياض في عام 1993، وبمساعدة ابنه الأكبر، بدأ في العمل بالتجارة، لكنه لم يوفق في عمله التجاري، واتجه للعمل بالإذاعة السعودية معداً للبرامج الثقافية بمكافأة زهيدة . وعلى الرغم من مقاطعة أسرته ميسورة الحال له، فإن ابنه الأكبر "خالد" كان كثيراً ما يساعده على غلاء المعيشة بالرياض خاصة بعد أن ترك العمل بالسلك العسكري الذي وصل فيه إلى رتبة كبيرة "عميد" وذلك ليتفرغ للأدب، حيث تزوج من مغربية وأنجب منها إبراهيم ورحلت أسرته إلى المغرب عقب وفاته. وأكد إبراهيم الحميد رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي في الجوف خلال مداخلته بعد الأمسية أن لدى النادي الأدبي في الجوف النية الجادة لتبني طباعة إبداعات الأديب الراحل متى ما تسنى له ذلك بعد موافقة ذويه مشيداً بما تركه لنا الشاعر والأديب الراحل من إرث أدبي، تضعه في موقع ريادي، مؤكدا أن على المؤسسات الثقافية بالمنطقة مسؤولية تاريخية تجاه طباعة مؤلفاته المخطوطة، بعد التنسيق مع ذوي الأديب الراحل والحصول على الأذونات اللازمة للسماح بطباعة هذه الأعمال، مشيداً بعمل الأستاذ عبدالله السمطي ووفائه مع صديقه الأديب عابد العابد وحفاظه على موروثه الأدبي .