تحدثت في مقالي السابق (نشأة الفن الموسيقى والغنائي في المنطقة الشرقية) عن بداية السماح لتداول واستعمال الآلات الموسيقية في المملكة بشكل رسمي، وقد أشرت الى ولادة أول فرقة موسيقية اهلية في المملكة من رحم النادي الأهلي في مدينة الخبر، وهو ناد رياضي في الأساس لكنه كان يحتضن بعض الأنشطة الثقافية، وقد اطلق على هذه الفرقة اسم (أوركسترا الخبر)، ولكن بعد فترة وجيزة تم استبدال ذلك الاسم ب(الفرقة الفضية). وقد سبق تأسيس تلك الفرقة الإعداد لتخريج عازفين على مختلف الآلات الموسيقية عن طريق فتح صف لتعليم الموسيقى بالطريقة الأكاديمية ضمن أنشطة النادي الأهلي. وقد أنيطت مسؤولية انشاء الفصل الى موسيقي أردني متمكن وهو المايسترو الأردني (توفيق جاد). وكان كاتب هذه السطور أحد أولئك الطلبة الذين التحقوا بذلك الصف. لم يكن التعلم بالطريقة الأكاديمية سهلا.. ذلك ان المايسترو توفيق جاد قد اتبع في تدريس المنتسبين لهذه المدرسة الأسلوب المنهجي العلمي، اي التعلم عن طريق النوتة وليس السماعي. وتجدر الإشارة إلى أن من بعض التلامذة من كان يجيد العزف على آلات مختلفة ولكن بالطريقة التقليدية السماعية، مثل الأستاذ عبدالرحمن الرويعي الذي كان عازفا متمكنا على آلة العود، والأستاذ يعقوب الخليوي الذي كان يعزف على الآلات الإيقاعية الغربية، والأستاذ زكريا الشيخ عازف آلة القانون، ومنذر توفيق جاد عازف على البيانو، وآخرين لم تسعفني ذاكرتي في استحضار اسمائهم. وبما أنه لم يكن أحد من العازفين الموجودين يعرف شيئا عن النوتة الموسيقية، فقد بدأ الجميع من نقطة الصفر. وبعد بضعة اشهر نجح المايسترو توفيق جاد في أن يقطع شوطا كبيرا في تعليم تلامذته النوتة والعزف ايضا. فقد كان انجازا باهرا للمايسترو المعلم. ثم بعد ذلك بدأ يفكر في تكوين فرقة موسيقية مصغرة يكون التلامذة هم باكورة العازفين فيها.. وقد اطلق عليها اسم (أوركسترا الخبر). وكانت الفرقة تضم بالإضافة للعازفين مغنيا موهوبا اسمه «علي التميمي» كان يقوم بأداء الاسكتشات والمنلوجات الاجتماعية الساخرة، بالإضافة إلى الطفلة مي توفيق جاد التي كانت تؤدي وصلات غنائية لأم كلثوم. وقد قامت الفرقة بتسجيل عدة اعمال غنائية وموسيقية لتلفزيون شركة ارامكو، الذي كان التلفزيون الوحيد في المملكة آنذاك. كما اتخذت الفرقة زيا موحدا عبارة عن سراويل ومعاطف حمراء زاهية ووردة العنق (الفيونكة) وبذلك اصبحت (اوركسترا الخبر) أو (الفرقة الفضية) هي اول فرقة موسيقية أهلية تنشأ على مستوى المملكة. في الفترة من 1965 إلى 1967م، التحق بالفرقة أعضاء جدد مثل الأستاذ صالح العباد الذي كان يتقن العزف على آلة العود، والأستاذ حسن السنان الذي تعلم العزف على آلة العود في وقت لاحق من خلال الفرقة أيضا، وعازفين آخرين على آلات مختلفة، بالإضافة إلى مغنين مثل عبدالعزيز التمار، وغيرهم. لقد ذاع صيت الفرقة الفضية على مستوى المملكة من خلال الحفلات التي كانت تقيمها لتلفزيون شركة أرامكو ولنادي الضباط في قاعدة مطار الظهران، وكذلك حفلات رأس السنة الميلادية التي كانت تحييها شركة ارامكو في حي كبار الموظفين. كان عام 1965م هو العام الذهبي للفرقة، حيث كانت الفرقة تسجل لتلفزيون ارامكو حفلات شهرية، وكان المردود المادي مجزيا، استخدم جزء منه في تطوير الفرقة وشراء الآلات والمعدات والبذلات، ما وضع الفرقة في مصاف الفرق العربية المحترفة. (يتبع في الأسبوع القادم)