في صحراء نازكا جنوب البيرو توجد أشكال منقوشة على أرضها الصخرية تعرف باسم «خطوط نازكا» وتمثل أشكال حيوانات وحشرات يمتد أكبرها لمسافة 200 متر وتعود للفترة «400 650 م» لكن ومنذ اندثار حضارة النازكا التي يعتقد أنها صنعتها عاش أهل الأرض فوقها دون أن يعوا بوجود تلك الأشكال لأنهم كانوا يرون فقط خطوطا ممتدة ولم يتم إدراك حقيقتها حتى حلقت فوقها أول طائرة غربية وعندها اتضحت الصورة الأكبر التي تشكلها تلك الخطوط الممتدة. وهذا المثال هو سنة في أحوال البشر، فمن يوجد في داخل تفاصيل الموقف لا يمكنه غالبا إدراك الصورة الأكبر له والتي يمكن أن يدركها شخص يقف على مسافة من ذلك الموقف، وهذا هو الفارق بين «التكتيكات والاستراتيجية» بين «المنظور الجزئي والمنظور الشمولي» بين «الخطوات والخطة» بين «التفاصيل والصورة الأكبر» فلكي يكون إدارك الإنسان للموقف موضوعيا يجب أن يكون شاملا لهذين المنظورين، ومعضلة ثقافتنا السائدة في العالم الإسلامي أنها تأخذ كل شيء «على البركة» فهي تغرق في التفاصيل ولا تبصر الصورة الأكبر للأمور، بينما فقط بإدراك الصورة الأكبر للأمور يمكن تقييم مدى ملاءمة وصحة ما يتم على مستوى التفاصيل، وعلى سبيل المثال؛ الجماعات الإرهابية التي تقول إن غايتها من وراء عملياتها الإرهابية التي دمرت بها بلادها قبل بلاد الآخرين هو تحسين أحوال المسلمين وغرقت في تفاصيل عملياتها بدون أن تنظر للصورة الأكبر لتدرك مدى الضرر الفادح الذي ألحقته بأحوال المسلمين في كل مكان فكانت كمن عالج الرمد بالعمى.. ومن جهة أخرى غالب التخبط والصدام الذي حصل بين الجماعات المعارضة لنظام الأسد في سوريا كان سببه غرقهم في التفاصيل وافتقارهم لرؤية الصورة الأكبر التي يتبين فيها مدى إضرار النهج الذي انتهجه بعضها بقضية الثورة السورية. [email protected]