لنتصور هذا المشهد؛ سفينة في عرض البحر وركابها تشاحنوا فقرر كل منهم أن يشرع ببناء سفينة خاصة له ولجماعته وذلك بالأخذ من جسد السفينة الأم التي تجمعهم جميعا فصاروا يتقاتلون على أجزاء السفينة لأن كل جماعة منهم تريد أن تأخذ أكبر قدر من جسد السفينة الأم لتكمل به سفينتها الصغيرة الخاصة بها. وهكذا وبعد أن صبغوا البحر بلون دمائهم وجدوا أن السفينة الأم غرقت بهم جميعا ولم يتمكن أحد منهم من إكمال سفينة خاصة به وبجماعته. هذا هو تماما ما يحدث الآن أمام أعيننا في بعض دول العالم العربي وما حدث منذ بدايات القرن الماضي في عديد من الدول الإسلامية والأجنبية التي خاضت جماعات مختلفة فيها حروبا انفصالية قائمة على مبدأ حرب العصابات وتكتيكاتها الإرهابية والنتيجة مئات الآلاف من القتلى وأضعافهم من المعوقين والمشوهين وأضعافهم من النساء والأطفال وحتى الذكور تعرضوا للاغتصاب. أما الأقاليم التي بالفعل حققت انفصالا وتم الاعتراف بها كدول مستقلة مثل جنوب السودان فيمكن رؤية أن العنف والإرهاب استمر فيها بعد الانفصال والاستقلال لأن الأنماط العنيفة والإرهابية ترسخت في الثقافة السائدة فيها، كما أنه يصعب أن ينعم الإقليم المنفصل بالأمان مع البلد الأم كما هو الحال مع أقاليم القارة الهندية فحزازيات الصراع الانفصالي تبقى ولو على مستوى استخباراتي تثير المشاكل. ولهذا الدعوات الانفصالية ليست حلا لأي مشكلة بل هي إيجاد لمشاكل جديدة، وبالمثل هو التحريض الديماغوجي المثير للعصبيات ضد الفئات والمكونات المختلفة للبلد والتي تسوغ قيام عمليات إرهابية ضدها كما أنها تشعر مكونات المجتمع المختلفة بعدم الانتماء لبلدهم وتسوغ لهم البحث عن انتماءات بديلة خارج بلدهم وتلك الجهات الخارجية غالبا مغرضة وهدفها التلاعب بهم وتوظيفهم ضد أوطانهم بإيهامهم بأن الحل هو الانفصال عن بلدهم الأم. وبالطبع انفصال أي إقليم يعني أن يفقد البلد الأم كل الموارد الطبيعية والبشرية الكامنة فيه، ولهذا جعل فئات ومكونات المجتمع المختلفة تشعر بالغربة عن بلدها بشكل يدفعهم للأحلام الانفصالية، لا يضر بتلك الفئات فقط إنما يضر بكامل البلد الذي سيعاني من الإرهاب ومن التبعات الاقتصادية لعدم الاستقرار والتي تتسبب بحرمان البلد من الاستثمارات الداخلية والخارجية لأن رأس المال يهاجر إلى حيث الاستقرار والازدهار. ولهذا الدعوات الديماغوجية التي تحرض ضد فئات المجتمع المختلفة أثرها الفعلي هو تماما كما في مثال السفينة في مطلع المقال، ولهذا الدعوة لتعميق الانتماء للوطن الأم هي صيانة لهذة السفينة الجامعة. [email protected]