يهدف هذا المقال إلى التطرق إلى إظهار إحدى أحدث وسائل التصنيع في شركة «بوينج» في الولاياتالمتحدة. ولكنني سأبدأ بالحديث عن الموز. وقد بدأت هذا اليوم الجميل بمشيئة الله بإفطار رائع تشمل مكوناته موزة شهية. وتحتوي الموزة على العديد من الروائع الإعجازية ومنها التغليف المحكم الذي يحميها من مخاطر الحرارة، والرطوبة الزائدة، والخبط، والجراثيم. ويتميز ذلك التغليف أيضا بخفة الوزن، والاقتصاد في التكوين، وبالجمال في الشكل، والملمس، واللون. والمشكلة أننا عندما نستهلك هذه النعم، لا نتأمل في روائعها العديدة لأن الهدف غالبا هو الوصول للداخل، والتخلص من الغلاف الخارجي بسرعة، وبدون الاهتمام بالتفاصيل التي قد تبدو وكأنها مملة. وهكذا هو الحال أيضا بالنسبة للعديد من الفواكه الرائعة مثل المنجا، والبطيخ، والبرتقال. كلها توفر أفضل روائع التغليف من ناحيتي الوظيفة والجمال معا، وكلها لا تحظى على اهتمامنا لأن بعضها نلتهمه مثل قشر العنب والتفاح، وبعضها يتحول إلى «قمائم» بسرعة. ولكن روائع التغليف لا تقتصر على الفواكه والخضروات فحسب، فالعديد من المخلوقات وفي مقدمتها الحشرات تستمد أهم مصادر قوتها من غلافها الخارجي. وذلك الغلاف هو الهيكل. تأمل في قشرة الخنفساء التي تمنحها تلك القوة الهائلة وكأنها عربة مصفحة صغيرة. وللمقارنة فهيكلنا التي توفر قوتنا بمشيئة الله بداخلنا وليست خارجية مثل معظم كائنات العالم. ولو انتقلنا إلى عالم الكيمياء الواسع فسنجد أن القشور الخارجية لذرات العناصر تلعب الدور الأكبر في تحديد خصائصها. جوهر خصائص تفاعل العناصر هو «السرقة» ، أو «التسليف» ، أو «المشاركة» للإلكترونات في الغلاف الخارجي لذراتها . وكمثال ستجد أن تلك التي تتميز بقشور خارجية ذرية مشبعة وممتلئة لا تتفاعل مع العناصر الأخرى. ويطلقون عليها اسم العناصر «النبيلة» لأن عندها «شوفة حال» ولا تحب الاختلاط بأي شكل من الأشكال وهي عناصر الهليوم، والنيون، والأرجون، والكريبتون، والزينون، والرادون. كلهم يتميزون بقشور صعبة. وأما العناصر التي تتميز «بعفرتة» في التفاعل فهي تلك التي تحتوي على قشور هشة ولديها الرغبة والقدرة على المشاركة في أغلفتها الخارجية. وكأمثلة ستجد عناصر الليثيوم، والصوديوم، والبوتاسيوم، والسيزيوم. ولكن الموضوع لا يقتصر على الأحياء والكيمياء فحسب، ففي تاريخ العمليات العسكرية ضد المدن ستجد أن عمليات الحصار كانت آلية لإضعاف التجمعات المدنية واستنفاد طاقتها لتصبح «مقشرة» أي جاهزة للاحتلال. ومن أهم الأمثلة ستجد حصار مدينة «ستالين جراد» في روسيا الذي كان يضرب به المثل. حاصرتها القوات النازية خلال الحرب العالمية الثانية لفترة تزيد على الخمسمائة يوم من ربيع 1942 إلى شتاء 1943 بهدف كسر شوكتها وتجهيزا لاحتلالها. ولم تفلح بالرغم من الخسائر الإنسانية والمادية الهائلة والتي تقدر بأكثر من مليوني إنسان. وبصراحة المثال الأقوى والأهم هو القدس الحبيبة التي حوصرت عشرات المرات عبر تاريخها وقاومت مقاومات باسلة إلى يومنا هذا. وكل حجرة في سورها العتيق تكاد أن تنطق بالقصص الحزينة على مواقف صمودها وحفاظها على المقدسات. ونعود «للتقشير» في مصنع البوينج حيث ترمز لأسلوب تصنيع يعتمد على «الرشاقة» Lean Manufacturing في تجميع القطع الكبيرة والصغيرة والتي تصل المصنع من مئات المصادر، والتي يقع بعضها على بعد آلاف الكيلومترات من المصنع. وللعلم فإن تجميعها يتطلب دقة تصل إلى تركيب أجزاء تفصلها مسافة أقل من قطر النقطة في نهاية هذه الجملة. الشاهد أن هذا الأسلوب يعتمد على العديد من المتطلبات والعمليات ومنها ما يوازي «التقشير». فبدلا من شحن المكونات ونقلها إلى محطات التجميع في محتوياتها، يتم إيصال المكونات خارج الحاويات ويتم وضع كل منها في مكانها حسب موقعه من التركيب لضمان السهولة، والسرعة، والدقة في التجميع. ومنظر هذه القطع يسترعي الانتباه، فكلها توضع في محطات التجميع على لوحات توضح بكل بساطة مكان وآلية تجميعها في الطائرة. وللعلم فالريادة في هذه الفلسفة الرائعة بدأت في مصانع «تويوتا» منذ عشرات السنين لابتكار مبدأ تقليص الجهود لإنتاج أعلى قيمة. أمنية التقشير في الصناعة كمبدأ يعكس البعد عن التبذير وضياع الجهود. ولا يحتكره عالم التصنيع، ولا شركة تويوتا أو بوينج أو حتى «أبو نار» للحلويات. الموضوع يمكن تطبيقه على العديد من السلع والخدمات لأنه يمثل ثقافة عمل لا تقبل تبذير الموارد شاملة وقت البشر وأعصابهم.. أتمنى أن نسعى للالتزام بمبادئ عدم التبذير في جميع المجالات، ومنها في «الهرج الكثير» في المقالات. ولذا فسأتوقف هنا. والله من وراء القصد. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة