على متن طائرة قادمة من مطار ميونخ الدولي في ألمانيا إلى مدينة جدة، اجتمع ثلاثة شبان سوريين فرقتهم الحرب الأهلية في سورية، والتقوا في رحلة العمر نحو مكة. يقول الحاج السوري عماد القعيدي ل«عكاظ» إن اللحظة التي اجتاحت فيها رايات «داعش» السوداء، محافظة إدلب في عام 2012، كانت مفصلية في حياته، حيث هرب هو وزوجته خوفاً من بطشهم، ولجأوا إلى مدينة الرقة التي كانت تسيطر عليها المعارضة السورية. لكن لجوء عماد لم يصمد طويلا، حيث اقتحم عناصر التنظيم مدينة الرقة، وأسقطوها، وقاموا بتهجير السكان، أو إجبارهم على المبايعة، وحينها قرر عماد الهروب إلى تركيا، ومنها إلى ألمانيا حيث استقر به الحال في ميونخ، وتمكن من إكمال دراسته الجامعية مستفيدا من بعض المزايا التي تقدمها ألمانيا للاجئين. وفي المشاعر المقدسة، يبتهل الحجاج السوريون، ويلحون بالدعاء بأن يعود إليهم وطنهم الذي مزقته الحرب الأهلية المستمرة منذ خمسة أعوام، ولكنهم في نفس الوقت يجدون في الحج فرصة للالتقاء ببعضهم بعد أن فصلت بينهم الحدود وعشرات الجبهات المفتوحة على مصراعيها في سورية. ومن فوق جبل الرحمة في أعلى صعيد عرفات، يصف الحاج السوري ياسر البوكلي، كيف نجا بأعجوبة من الموت مرات عدة، إحداها عندما ضربت قذيفة صاروخية منزله في مدينة البوكمال السورية التي تقع على الحدود مع العراق، وأخرى عندما قرر الهجرة إلى ألمانيا، وكان ذلك عبر قارب شراعي، انقلب في البحر وظل يسبح لساعات قبل إنقاذه من قبل خفر السواحل اليوناني. غير أن الحاج السوري محمد القعيدي (30 عاما)، ترك أهله في منطقة بالقرب من دير الزور، وخرج مع بعض طلاب الجامعات من أجل توفير ما يلزم من الأكل والشرب لأهله خوفا من ذهابهم إلى مخيمات اللجوء التي وصفها بأنها سيئة وتمتهن كرامة الإنسان السوري، وتحصل بها مآس إنسانية واجتماعية. ويضيف العقيدي أنه أثناء خروجه تعرض أهله في دير الزور، التي يسيطر عليها «داعش» للقصف من قبل التحالف الدولي، وبالتالي عاد مجددا إلى دير الزور ووجد أن عناصر تنظيم «داعش» قد تمكنوا من نهب المنازل، وقذفوا بالأطفال السوريين على جبهات القتال، وكانوا يضعون السكان بين خيارين، إما مبايعة التنظيم، أو القتال. ويؤكد أن «داعش» استعان بشيوخ القبائل، من أجل حث الناس على البيعة، ولكنهم رفضوا، وحصل اشتباك بين فصائل المعارضة و«داعش» نتج عنه سيطرة «داعش» على كامل المدينة، ومقتل قرابة 2000 من الطرفين، وتجري حاليا أحكام قاسية على أهل دير الزور، مضيفاً أن من يتم القبض عليه وهو يدخن السجائر فإن الحكم المتوقع إلحاقه بمناطق القتال أو إجباره على حفر خندق وفي الغالب من يذهبون لهذه المهمات لا يعودون. وقال إن كثيرا من أقاربه ذهبوا ضحية «سيجارة» أشعلوها، وكلفهم عناصر التنظيم بمهمة حفر أنفاق بالقرب من قوات النظام السوري، وميليشيات حزب الله اللبناني، ولكنه تم قصفهم من قبل النظام أو الميليشيات وقتلوا جميعا. يؤكد محمد وعماد وياسر، أنهم حصلوا على تأشيرة عمل مفتوحة في ألمانيا، وحاليا لا يرغبون في العودة إلى سورية، ولكنهم يأملون أن تنتهي الحرب هناك، وتضع مأساتهم جانبا لأنهم يرون أن سورية بلد طيب ويستحق الحياة.