اعتدنا في كل عام أن تنشط برامج الفكاهة المحلية خلال شهر رمضان المبارك، فتتبارى القنوات بتقديم ما يضحك، ورغم أن أغلب ما يقدم من برامج الفكاهة هو مع الأسف ليس على المستوى الذي نطمح إليه من العمق والرقي، فأغلب ما يقدم يجنح إلى التهريج والإسفاف البعيد عن الذكاء معتمدا في الإضحاك على توظيف حركات الجسم وتعبيرات الوجه، والسخرية من بعض قسمات الناس، والوقوع في إيماءات عنصرية تزدري الآخرين وغير ذلك من أشكال النكات التافهة. ومع ذلك، حتى مع هذا التدني في مستوى الفكاهة الذي تقدمه تلك البرامج، هي لا تقدم سوى في شهر رمضان، كأن رمضان شهر مخصص للضحك. لم لا تجد البرامج الكوميدية في قنواتنا التلفزيونية ترحيبا كبيرا كالذي تجده برامج الحوار؟ برامج الحوار على الرغم من أنها تثير الجدل وتسبب الفتن وتوغر صدور الناس ضد بعضهم بعضا، إلا أن أبواب القنوات التلفزيونية مفتوحة لها واسعة، ويتبارى لتقديمها كل أحد، بمن فيهم (الخام) الذي لم يسبق له أن تلقى درسا واحدا في مجال التقديم التلفزيوني، حتى اتخمت القنوات بتلك البرامج وصارت تضج بها ليلا ونهارا على مدى شهور العام. إن البرامج الكوميدية، التي لا تجد ترحيبا في قنواتنا التلفزيونية، تعد من أنجح الوسائل لمخاطبة الجماهير والتأثير عليها وتوجيه الأفكار العامة، فالبرامج الكوميدية بإمكانها أن تؤدي وظيفة اجتماعية كبيرة، ليس في التسلية فحسب، وإنما بقوة تأثيرها على المتلقي، فهي حين تنتقد المجتمع وما فيه من عادات سيئة وأنواع سلوك رديئة، تنجح في تقويم سلوك الناس وتعزز داخلهم الرغبة في أن يكونوا أفضل، وهي تنجح في ذلك أكثر من برامج الوعظ والإرشاد الجافة، فالكوميديا واحدة من أبرز الأساليب التوعوية التي تعمل على نقد المجتمع والسياسة والاقتصاد وغيرها، بأسلوب مرح يبعث على الضحك وإن أغمد خنجره الحاد في اللحم. [email protected]