يرمز الدبوس أحيانا إلى بعض المعاني الداكنة وأهمها التجسس.. ومهما حاولنا أن نتخيل عجائب هذا المجال الغريب، فسنجد ما يبهرنا وبالذات في عالم تقنيات التجسس من بعد.. وأقصد البعد الذي يقاس بالكيلومترات وليس بالأمتار.. تخيل أن أول استخدام للطائرات الحربية في التاريخ كان للتجسس.. وتحديدا فعند اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 استخدمت الأطراف المتنازعة الطائرات الصغيرة لتصوير مواقع الجيوش وزحفها على الأرض.. يعني قبل المقاتلات، والقاذفات، وناقلات الجنود، كانت طائرات الاستطلاع تقوم بالتصوير لدرجة أنها غيرت مسار الحرب بأكملها.. كانت إستراتيجية الحرب الألمانية آنذاك هي الحركة الأرضية السريعة لاحتلال أراضٍ أوروبية مختلفة. وكشفت الطائرات تحركات القوات فتصدت لها القوات الفرنسية، والإنجليزية، والروسية على جبهات مختلفة فساهم ذلك في «رستكّة» القوات من جميع الأطراف لتبدأ حرب الخنادق وتستمر لأربع سنوات دامية حصدت أكثر من 38 مليون نفس بشرية. والغريب أن تقنيات التصوير الجوي كانت متقدمة جدا بالنسبة لذلك الوقت.. تخيل أن الصور كانت تلتقط من على ارتفاعات تصل إلى عشرة آلاف قدم بدرجة وضوح مذهلة لتكشف عن الإمدادات والتحركات والخطط. وكان يتم تحميض وطباعة الصور بسرعة بعد هبوط الطائرات. وكانت أولى المعارك الجوية بهدف منع التصوير والتجسس الجوي. وتطورت التقنيات تطورا سريعا جدا أثناء الحرب العالمية الثانية أيضا فكان الاستطلاع الجوي من أهم مكونات العمليات الكبيرة منذ بداية الحرب في 1939 إلى نهايتها في عام 1945. وبنهاية الحرب كان من المنطق أن تهدأ الأمور، ولكن العالم شهد العكس تماما وخصوصا في الشرق الأوسط والشرق الأقصى.. شهدت سماء فلسطين، والأردن، ومصر من عام النكبة 1948 إلى عام النكسة 1967 والحروب بينها.. وخصوصا الاعتداء الثلاثي عام 1956.. ثم حرب الاستنزاف.. ثم حرب العاشر من رمضان أحدث تطبيقات للتقنية الحديثة في مجالات الفضاء والطيران من فرق متخصصة في «شغل الدبابيس» لتحقيق مبدأ QMA للكيان الصهيوني وترمز الحروف إلى التفوق العسكري النوعي Qualitative Military Advantage الذي حرصت بعض الدول على تحقيقه منذ مطلع الستينات. ومن القصص العجيبة في هذا المجال هي قصة تطور طائرة الطير الأسود إس آر 72 التي صممتها وصنعتها شركة لوكهيد الأمريكية في مطلع الستينات. كانت ولا تزال أسرع طائرة في العالم في تحليقها المستمر وصممت لغرض التحليق الجوي السريع جدا على ارتفاعات شاهقة جدا بعيدا عن مخاطر المقاتلات.. وتحديدا فقد كانت تحلق على سرعة تعادل ثلاثة أمثال سرعة الصوت على ارتفاعات تفوق 70 ألف قدم؛ أي ضعف أقصى ارتفاعات معظم مقاتلات العالم.. يعني كانت أسرع من سرعة الرصاصة الخارجة من فوهة أي مسدس.. وكان تخصصها في أعمال الدبابيس من العيار الثقيل. وكانت إحدى تحديات تصنيع الطائرة هي التعامل مع الحرارة بسبب احتكاك الهواء الرهيب على تلك السرعات العالية.. ويقال إن درجة حرارة نوافذها الأمامية كانت كافية لتحضير «شكشوكة».. الطريف في الموضوع أن القوات الجوية الأمريكية رفضت شراء الطائرة مبدئيا ولذا فباعتها الشركة على وكالة الاستخبارات الأمريكية.. وللعلم فكانت تلك الوكالة تملك شركة طيران بأكملها اسمها «إير أميركا» فكانت نشطة في السماء في دول مختلفة وفي أدوار مختلفة.. ومن جانب آخر تم تطوير طائرات أخرى متخصصة في الطيران الهادئ جدا.. وطائرات أخرى للطيران الليلي على ارتفاعات منخفضة جدا، وغيرها من التقنيات المتقدمة. أمنية عندما نتأمل في العديد من تقنيات «شغل الدبابيس»، سنجد أنها كانت سابقة لأوانها فكثير منها تمثل عبقرية أغرب من الخيال.. يا ترى ماذا يطبخون اليوم للبشر. أتمنى أن يتم تطويع ذلك الذكاء لخدمة البشرية بما أمر الله عز جل. وهو من وراء القصد.