لم يكن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بحاجة إلى الاعتراف بأن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني يعمل مستشارا لحكومة بغداد حتى يتجاوز الإحساس العام بأن حكومته طائفية، وتنفذ المشروع الإيراني في المنطقة عبر البوابة العراقية. العبادي لا يختلف كثيرا عن سلفه المالكي، لكن لكل منهما طريقته الخاصة في تنفيذ المشروع الإيراني، فالأوامر واحدة والمرجعية واحدة بغض النظرعن التفاصيل. فالمالكي قاد بنفسه عمليات التطهير الطائفي، بينما نفذها العبادي بيد ميليشيات الحشد الشعبي التي ارتكبت أكبر الفظائع بحق السنة في العراق. العبادي جاء رئيسا للحكومة بعد أن استنفد نوري المالكي، دوره، وأزكمت رائحة الطائفية في حكومته الأنوف، واتفق الجميع على رحيله. المالكي كان أمام خيار وحيد، وهو يرى جيشه يفر مهزوما من ساحة المعركة لصالح «داعش»، أن يقدم استقالته ويرضى بصفقة ترك السلطة مقابل عدم المطاردة القانونية بوصفه من المتهمين بإنشاء فرق الموت الطائفية. وكان البديل مساعد المالكي السابق، العبادي، نائب رئيس مجلس النواب، وينتمي إلى «حزب الدعوة» الذي ينتمي إليه المالكي أيضا، إثر توافق الأحزاب على أن هذه الشخصية المقلة في الظهورالإعلامي، تتماشى بشكل جيد مع قادة الأكراد، وتحظى بفرصة كبيرة لإرضاء المسلمين السنة الذين دفعهم اشمئزازهم من تصرفات المالكي الإقصائية والطائفية إلى التصعيد في وجه الحكومة العراقية. ويقال إن الإيرانيين والأمريكيين أجروا محادثات حول المرشحين المحتملين لخلافة المالكي، وبعد ثلاث جولات من المحادثات على الأقل اتفقوا على العبادي، ووافقت إيران على إقناع الجماعات الشيعية بدعمه، وشارك في هذه الجهود عدد من أئمة النجف، كما ساهموا في حشد الدعم للعبادي. وهو ما نفاه مسؤول أمريكي، مؤكدا أن واشنطن لم تدفع باتجاه حيدر العبادي إلى مقاليد السلطة، وقال إن اسمه طرح عبر القنوات السياسية العراقية. ورغم قربه من المالكي، لم يكن ضمن دائرة المقربين من المالكي، وبالتالي فإن اختياره لم يكن ليقصي التيار الشيعي الرئيسي، وفي الوقت نفسه لن يعطي المالكي فرصة ليحكم من وراء الستار. وكان على العبادي أن يتعاطى مع أوضاع داخلية متأزمة، وكان التحدي الأكبر أمام الحكومة هو استعادة المدن العراقية التي سيطر عليها «داعش» والتي تصادف بأنها مدن سنية، فخاضت قوات من «الحشد الشعبي» وميليشيات موالية لإيران مع الجيش العراقي الرسمي معارك في تلك المدن، مخلفة وراءها كوارث إنسانية وصفتها منظمات دولية مثل «هيومن رايتس ووتش» بأنها ترقى إلى جرائم الحرب. العبادي كما المالكي تلاحقهما شبهة طائفية، فرعاتهما في طهران هم من يرسمون خطط التطهير العرقي؛ ليتسنى لهم العبور بالخطة الإيرانية الطائفية من البوابة العراقية إلى المنطقة، وما تحويل الحشد الشعبي إلى حرس ثوري على غرار الحرس الإيراني إلا مقدمة على الأرض لإحداث التمدد الطائفي ونشره في المنطقة بقوة السلاح وبالإرهاب والقتل وسفك الدماء. العبادي مرتبك وواقع بين خيارات ضيقة، فالملفات تتشابك أمامه، الأحزاب السياسية الهشة والصراع فيما بينها على «الكعكة العراقية» من جهة، والأزمة الاقتصادية والفساد والتقارير الدولية التي تضع العراق ضمن الدول غير الآمنة والفاشلة، والشحن الطائفي المدمر للذات العراقية وللوجود العراقي، كلها أزمات تؤكد تفرغ العبادي وحكومته وجيشه لحراسة ودعم الحشد الشعبي الذي يقوم بإراقة مزيد من دماء الأبرياء في المدن السنية التي «تحرر» وهو الفصل الأهم في المخطط الإيراني الهادف إلى التطهير العرقي في العراق.