احتفظ العرب بصورة نمطية عن طريق الحرير أقرب ما تكون إلى الأسطورية. فالحديث عن مسار تسلكه قوافل وسفن عبر محيطات وبحار وصحارى وجبال غير مطروقة يمتد لأكثر من 15 ألف كيلومتر غاية في صعوبة التصور ناهيك عن خوض التجربة. وبواسطة هذا الطريق، كانت تجري التبادلات الواسعة النطاق (سياسية واقتصادية وثقافية) بين الصين، ومختلف المناطق والقوميات. إذ كان الصينيون يجوبون مياه المحيط الهندي منذ العصور القديمة السابقة للميلاد، وكانت سفنهم تقوم برحلات طويلة فيما بين الموانئ الصينية وموانئ الهند الغربية، ومثل ذلك كان يفعل العرب فتبحر سفنهم من موانئ الخليج العربي وساحل اليمن إلى موانئ الهند الغربية، وإلى ساحل جنوبالهند حيث يلتقون هناك بالتجار الصينيين ويحصلون منهم ومن التجار الهنود على بضائع صينية وهندية، ويبيعونهم بضائع الجزيرة العربية الثمينة التي كان من أهمها البخور والعطور والنحاس واللبان والؤلؤ. اليوم، وبعد ما يزيد على ثلاثة آلاف عام، تنطلق المملكة نحو تحقيق حلم من أحلامها الكبرى من خلال الرؤية الوطنية 2030 عبر إعادة إحياء طريق الحرير. خصوصا أن الأثر دعا إلى طلب العلم ولو في الصين. وكان طريق الحرير التاريخي يتألف من مسلكين بري وبحري، سهلا نقل البضائع والثقافات والأفكار من وإلى الصين. إلا أن المملكة بتوجهها إلى الصين عبر زيارة تاريخية لولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي، وتحسين سبل ربط الطريق، وتشجيع التجارة والاستثمار، ودعم عمليات التبادل بين الشعبين، وتعزيز العلاقات من خلال البحث العلمي والبيئي، وتحقيق أهداف طريق الحرير وإعادة إحيائه على الطريقة الصينية. ويظل التعاون المتبادل بالمنفعة في مجالات الاقتصاد والطاقة معززا علاقات الشراكة بين المملكة والصين كونهما من الدول النامية، وترجع الصداقة بين الشعبين إلى زمن بعيد. وتعد الصين أهم شريك تجاري للمملكة خلال عام 2014، إذ بلغ حجم التبادل التجاري ما قيمته 247.8 مليار ريال، بما يعادل 13% من إجمالي التبادل التجاري بين المملكة وبقية دول العالم في العام نفسه، البالغ 1.94 تريليون ريال. واستحوذت الصين على 13% من إجمالي صادرات المملكة خلال 2014، بنحو 160.7 مليار ريال، محتلة المرتبة الثانية بين الدول التي تستقبل الصادرات السعودية. في حين بلغت قيمة واردات المملكة من الصين خلال العام ذاته، نحو 87.1 مليار ريال، تمثل 13% من إجمالي الواردات، واحتلت بها المرتبة الأولى بين الدول التي تستورد منها المملكة. وبحسب مسؤولين صينيين، فإن تفعيل طريق الحرير يحتاج خطوات تدريجية تبدأ من توسيع التعاون مرحليا، وصولا إلى تعاون متكامل. يذكر أن أول من أطلق تسمية «طريق الحرير» في أواسط القرن التاسع عشر، العالم الجيولوجي الألماني، البارون فرديناند فون ريشتهوفن، وقصد به شبكة طرق نقل التجارة والمواصلات ولا تزال هذه التسمية حاضرة في الذاكرة الشعبية للصينيين والعرب. ويؤكد السفير الصيني لدى المملكة (لي تشنغ ون) أن التشارك في مبادرة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن الحالي التي طرحتها الصين العام الماضي سيجعل الدول العربية وفي مقدمتها المملكة، منطقة محورية في هذه الطريق العظيمة التي تربط قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا بريا وبحريا.