الرسوم حتى لو سميناها ضرائب، وهي ليست ضرائب، تعد رافدا هاما لاقتصاد أي دولة، لتمكين مؤسساته، عامة وخاصة، من تحسين الخدمة المقدمة، ما لم تدخل الخزينة العامة، لذا قلت رافدا وليس مصدرا، وللاقتصاد وليس للدخل العام، وهناك فرق بل فروق. النظام الضريبي عموما مفيد لعلاج نتوءات الاقتصاد والحد من الهدر والسلوكيات الخاطئة، بيد أن له شروطا ومبادئ لا أراها متوافرة لدينا. التفريق بين الرسوم والضرائب يعتمد على النظام الاقتصادي، دولة الرفاه تختلف عن دولة الخدمات، والاقتصاد الريعي يختلف عن اقتصاد الاستثمار، وهذا بالتحديد ما يحدث حاليا لدينا، التحول من الدولة الأولى إلى الثانية، ومن الاقتصاد الأول إلى الثاني، وهو أمر جيد ومفيد، المعضلة أنه يسير ببطء، بل برجل واحدة. اقتصاد الاستثمار يتطلب وجود قطاع أهلي متقدم يمكن أن توكل إليه مشاريع تأسيسية مهمة يستفيد منها ويفيد غيره، بل كان للقطاع الخاص أدوار وطنية هامة في تنمية وتقدم مجتمعاته، يكفي تذكر طلعت حرب في مصر أو هنري فورد وغيره في أمريكا. قطاعنا الخاص، عدا افتقاد دوره الوطني، بمفهومه التقليدي، عبر عقود، ولا أعمم هنا، لا تؤهله كوادره الفنية والإدارية، فضلا عن قدراته المالية القيام بدوره في اقتصاد الاستثمار، معظمه يعتمد على عمالة وإدارة وافدة، أكثره يكتفي بدور المقاولة، وبعضه بدور المبطنة، لم يؤسس لنفسه قاعدة في صناعة ما بمواد محلية أو بخبرة وسواعد وطنية. بالطبع هناك عراقيل بيروقراطية واشتراطات، لكن كان يقابلها تسهيلات وامتيازات، غير أن الهدف النهائي لم يكن خلق صناعة وطنية مؤثرة، وانتهى أغلبه إلى تكويم ثروات وليس اقتصادا قويا، وانتهينا معه لحقيقة مفادها أن مقاومة التوطين أحد أكبر عوائق اقتصاد الاستثمار. مفهوم الرسوم ليس شرا كله، وإذا اقترب من مبدأ الضريبة يقل شره، فهو يتيح مبدأ المحاسبة، محاسبة مقدم الخدمة، محاسبة الفرد غير المساهم في التنمية بتقصيره في واجباته برغم مناداته بحقوقه، محاسبة المجتمع وتوجهه الاستهلاكي الضار، محاسبة القطاع الخاص وتوجهه الطفيلي، لنقل السلبي خلال عقود الوفرة والطفرة، وتقصيره في توطين وظائفه، بل تنامي توكؤه على الوافدة ومحاسبة القطاع العام في عجز رقابته الذاتية الداخلية بكل وزارة للهدر في المال العام المتزايد كل عام، ومحاسبة مؤسسات محاربة الفساد وفرض النزاهة أمام تغول الفساد. تطبيق ما سبق يتطلب شفافية لا تقدمها، حتى اليوم، المؤسسات المسؤولة عن مكافحة الفساد وهدر المال العام، تقوية هذه المؤسسات، وليتها تضم في هيئة واحدة، يعتبر حجر الرحى والأساس الأول لانطلاق اقتصاد الاستثمار، ولتخفيف أعباء الانطلاقة على المواطن. [email protected]