أكد مختصون أن دمج الشؤون الاقتصادية والتنموية في مجلس واحد سيعزز عملية صناعة القرار ويضمن عدم الازدواجية وقالو إنه سيفتح آفاقاً أوسع لبحث أهمية توحيد هذين العنصرين المهمين على المسار الاقتصادي انعكاسات على مجال الاستثمار خصوصاً في ضمان عدم ازدواجيه القرارات. وقال المحلل عثمان الخويطر نائب رئيس شركة أرامكو سابقاً إن دمج الشؤون الاقتصادية والتنمية خطوة موفقة فكلاهما مرتبط ارتباطاً مباشراً بالآخر. فالخطط والاستثمارات التنموية هي من دواعي نجاح النمو الاقتصادي. مبيناً أن الحاجة أصبحت ملحة لتغيير مسار اقتصادنا الريعي إلى تنموي منتج وهذا لا يمكن تحقيقه إلا عبر استثمار فوائض أموالنا في مشاريع تنموية تدر على اقتصادنا دخلاً لا يعتمد على الإنتاج النفطي الذي غير مستدام. وتمنى أن تكون التغييرات الهيكلية الأخيرة لشؤوننا الاقتصادية بداية عهد مبارك جديد يأخذ في الاعتبار ضرورة تنويع الدخل العام ومشاركة المواطن في دفع عجلة التقدم الاقتصادي المثمر الذي لا يعتمد على مصدر واحد قابل للنضوب. وقال الأكاديمي الدكتور عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب: مرت المملكة بطفرة قرارات وإنشاء مجالس متعددة خلال الفترة الماضية لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية لكنها اصطدمت بعراقيل البيروقراطية والازدواجية بسبب تعدد صناعة القرار. من هنا و تأكيداً على النهج السلس منذ القرارات الأولى التي ساعدت على الانتقال السلس للسلطة الذي أشاد به الجميع محلياً ودولياً. واستطرد قائلاً إن إنشاء مجلس للشؤون الاقتصادية والتنمية بقيادة وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان من أجل أن تكون هناك رؤية اقتصادية معمقة، خصوصاً بعد ما فشلت إستراتيجية تنويع الاقتصاد السعودي خلال خطط التنمية السابقة، بسبب ازدواجية المجالس وتضارب السياسات، بينما في العالم الاقتصاد والتعليم عنصران لا يفترقان حتى تتمكن الخطط من سلامة مخرجات التعليم بما تتناسب مع حاجات السوق. مضيفاً أن المجلس يأخذ بعين الاعتبار التطورات العالمية التي تشهدها أسواق النفط والعملات والسلع، فالاقتصاد ليس بمعزل عن التنمية، ولن تكون هناك تنمية بلا اقتصاد سليم حتى يرسم ملامح المستقبل من أجل البحث عن روافد مالية جديدة تعزز من التنمية المستدامة بعيدا عن مداخيل النفط. ويرى الدكتور محبوب أن الربط بين الاقتصاد المالي والتعليم سينقل المملكة إلى اقتصاد المعرفة وتنويع مصادر الدخل من خلال الإبداع والابتكار خصوصا بعد تغير النظرة نحو التعليم من خلال نظرة الاستثمار في التعليم، بدلا عن الاكتفاء بالتعليم التقليدي الذي لا يحقق تنمية مستدامة بل يستمر الاعتماد على دخل النفط كدخل وحيد والاستمرار في الاعتماد على الاقتصاد الريعي غير المستدام. لذلك فإن الرؤية الجديدة تهدف إلى ربط الاقتصاد بالتعليم للاستثمار في العقول لتعزيز قدرات القطاع الخاص، والاستمرار في إستراتيجية الخصخصة عبر استثمارات جديدة وآمنة للانتقال من العمل الفردي إلى العمل الجماعي والمنظم والمدروس لتوسيع القاعدة الإنتاجية لتوطين الوظائف وفق قوى السوق بدلاً من إستراتيجية السعودية التي لم تتمكن من توطين الوظائف وفق قوى السوق في الفترة الماضية. مشيراً إلى أن اقتصاد اليوم بات مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالتعليم، لأن اقتصاد المعرفة هو الاقتصاد الجديد والقادر على رسم ملامح المستقبل لتنويع مصادر الدخل، خصوصا وأن السعودية تمتلك كل مقومات النجاح في تحقيق ذلك. الانتقال إلى التنمية المستدامة وشدد محبوب على ضرورة أن يتحرر الاقتصاد السعودي من اقتصاد النفط للانتقال نحو التنمية المستدامة من خلال تطوير المشروعات الإنتاجية بدلاً من الاستمرار في الاقتصاد الاستهلاكي القائم على الواردات، وهنا يجب أن نؤكد على أن ملف الصناعة يمثل أحد أهم الملفات التي تحقق التنمية الاقتصادية المستدامة لمواكبة النمو الاقتصادي والحفاظ على مكانة السعودية كأكبر اقتصاد عربي، وهي واحدة من ضمن أعضاء مجموعة العشرين لمواكبة الاقتصاد السعودي بحجمه الفعلي والحقيقي أمام الاقتصادات العالمية. ومن هنا المجلس يحتاج إلى رسم رؤية اقتصادية تنموية وفق خطط إستراتيجية طويلة المدى يتشارك في تنفيذها العديد من القطاعات الاقتصادية بعد تحديد أولويات المشاريع الاقتصادية والتنموية التي يجب استهدافها في الفترة المقبلة. إلى ذلك أشار المستشار في إدارة الموارد البشرية بندر بن عبدالعزيز الضبعان إلى أن الأوامر الملكية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وجرى بموجبها إعادة هيكلة الدولة تبشر بموجة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية لتعبر فعلاً عن رؤية قائد يحمل هم أمته، ويسعى إلى تحقيق آمالها. فالملك سلمان -رعاه الله- منذ أن كان أميراً لمنطقة الرياض كان شخصية «كارزماتية» ملفتة للجميع، شخصية تتمتع بسمات قيادية أبرزها الحكمة، وإحقاق الحق، والنزاهة، وقدرته على حسم الأمور، وسرعة اتخاذ القرار، وتفويض الصلاحيات، وتمكين الشباب، بالإضافة إلى أنه يتحلى حفظه الله بحس عال من الإيجابية والتسامح والانفتاح نحو العالم وثقافاته. مضيفاً أن الرسالة التي تحملها الأوامر الملكية التي أصدرها الملك سلمان تكشف أيضا أن التغيير ضروري لتجديد خلايا الدولة، وهذا تمثل في استقطاب كفاءات إدارية من القطاع الخاص لتتولى إدارة أجهزة حكومية، والاعتماد على الإداريين من ذوي الخبرة (الممارسين) لا على الإداريين الأكاديميين (النظريين)، كما تمثل هذا التجديد في إلغاء مجالس ولجان كانت معيقة في اتخاذ القرارات الكبرى، والاكتفاء بمجلسين فقط هما: مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. واستطرد الضبعان قائلاً: نستبشر خيراً أن يكون عهد الملك سلمان هو عهد «الرشاقة الإدارية»، إذ إن وجهة نظري أننا لسنا بحاجة إلى إنشاء كيانات حكومية جديدة في السعودية، فالكيانات الحالية كافية من حيث «العدد»، لكنها من حيث «النوع»، تحتاج بكل تأكيد إلى إعادة هيكلة (غربلة ودمج وإلغاء كيانات) ترفع من مستوى فعاليتها وكفاءتها، فالسعودية تملك طاقات بشرية ومالية ومادية هائلة وتحتاج إلى «حكومة» تتمتع بالرشاقة والكفاءة من خلال تعزيز مبادرات الحكومة الإلكترونية، وتطوير الأنظمة واللوائح الوظيفية وتفعيل تطبيق مبدأ الجدارة في التوظيف، وتطوير الأنظمة واللوائح المالية وخفض وترشيد تكاليف أداء العمل الحكومي، ورفع مستوى أجهزة الرقابة والمساءلة الإدارية، وخصخصة أقصى ما يمكن من الخدمات الحكومية. منوهاً بأن «التنمية» هي الوجه الاقتصادي للإدارة، فمن خلال «الإدارة الحسنة» التي تتحكم في الموارد البشرية والمالية والمادية، يتم تحويل ذلك إلى خدمات ومنتجات يتمتع بها المواطنون. ونتطلع أن تواصل الحكومة مساعيها في طرح مبادرات إدارية وتنظيمية، يتم من خلالها إكساب القطاع العام الرشاقة وتخليصه من الترهل سعيا لتحقيق الأهداف المذكورة في خطط التنمية الخمسية، وهي الخطط التي يفترض أن تكون «المرجعية الأولى» لكل الاستراتيجيات والخطط الحكومية، وبالتالي تتوازى الفروع مع الأصل لا أن تتعارض معه. التوجه نحو مزيد الدمج للوزارات والأجهزة الحكومية وتطرق الضبعان إلى عدد من المبادرات ومنها التوجه نحو مزيد من عمليات دمج الوزارات والأجهزة الحكومية: أن دمج وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي لتكوين وزارة للتعليم واحدة تتحكم بمخرجات المعرفة هي خطوة إيجابية نتمنى تعميمها بحيث يكون تقارب الاختصاصات هو المعيار الأساسي لدمج الكيانات الحكومية، فعلى سبيل المثال، يمكن دمج الأجهزة الرقابية «المبعثرة» لتنضوي تحت مظلة «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد»، ويمكن دمج وزارتي العمل والخدمة المدنية لتشكيل وزارة الموارد البشرية، ودمج المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية مع المؤسسة العامة للتقاعد، ودمج شركتيهما الاستثمارية، وما يترتب على ذلك من إصدار نظام موحد للعمل ونظام موحد للتقاعد يطبقان على القطاعين العام والخاص، كما يمكن مستقبلا دمج وزارات تخدم توجهنا نحو الاقتصاد غير النفطي (التجارة والصناعة، الاتصالات وتقنية المعلومات، الثقافة والإعلام)، لتشكيل «وزارة للاقتصاد المعرفي»، والاكتفاء بهيئات تشرف على المجالات الثلاثة، وتتمتع بالمرونة الإدارية والمالية، يديرها محافظون يرتبطون بوزير واحد يمثلهم أمام مجلس الوزراء. ومن المبادرات أيضاً تحقيق التنمية المتوازنة عن طريق إعادة هيكلة ميزانية الدولة على أساس احتياجات المناطق وليس احتياجات الوزارات، من خلال التحول من موازنة البنود (التقليدية) إلى موازنة البرامج أو موازنة الأداء، مع إعادة النظر في تحصيل إيرادات الدولة، بحيث يذهب جزء من الإيرادات (كرسوم البلديات وغراماتها) إلى خزانة المنطقة، بدلا من أن يذهب كل الإيراد إلى جهة مركزية واحدة (وزارة المالية)، على أن تتوازى مع اللا مركزية المالية لا مركزية إدارية تكفل منح صلاحيات لفروع الوزارات والأجهزة الحكومية في مختلف مناطق المملكة، مع ضرورة تحديد اختصاصات واضحة ل «مجالس المناطق» المرتبطة بوزارة الداخلية، والمجالس البلدية المرتبطة بوزارة الشؤون البلدية والقروية، والأفضل دمجها في مجالس واحدة ذات مهام وأهداف واضحة. كذلك التحرر من المركزية الإدارية والمالية وذلك من خلال إعادة النظر في أنظمة الخدمة المدنية والمالية مع إلغاء لوائحهما التنفيذية، والتوصية بأن يصاغ نظام جديد للخدمة المدنية (عام ولا يغرق في التفاصيل)، على أن يكون لكل جهة حكومية لوائح إدارية ومالية مستقلة لا تخرج عن الأطر العامة في نظام الخدمة الجديد، ويتم صياغة هذه اللوائح وفق طبيععمل الجهاز والخدمات التي يقدمها والوظائف الإدارية والفنية التي يتطلبها للتشغيل وتقديم الخدمات، على أن تكون اللوائح «الإدارية» معتمدة من وزارة الخدمة المدنية، واللوائح المالية معتمدة من وزارة المالية، أي على غرار ما هو حاصل في القطاع الخاص، لدينا «نظام عمل» يضبط القطاع، بينما لكل شركة «لائحة تنظيم عمل» مستقلة، لكنها مبنية على نظام العمل، ومعتمدة من وزارة العمل. ومن المبادرات التي تطرق إليها الأستاذ الضبعان إعادة تحليل الوظائف: فعملية التحليل الوظيفي (job analysis) تسهم في إنتاج مخرجات منها، تصنيف الوظائف، ووضع أوصاف وظيفية، ورسم نماذج للجدارات المطلوبة من كل وظيفة، وتقييم الوظائف (تحديد راتب كل وظيفة)، وتحديد الاحتياجات التدريبية، لذلك فإن إعادة إجراء هذه العملية ليس عن طريق وزارة الخدمة المدنية، وإنما عن طريق كل جهة حكومية وفق طبيعة عملها، سيمكننا من وضع الأهداف المطلوبة من كل موظف ووضع معايير الأداء الخاصة به، وبالتالي تسهل مكافأته عند التميز أو محاسبته عند التقصير. وكذلك إعادة هيكلة إدارة الأداء فمعظم الأجهزة الحكومية تقيّم موظفيها بطريقة التقييم البياني (Graphic Rating Scale)، وفوق أن هذه الطريقة قديمة وتشتمل على سلبيات كثيرة، فإنها تنفذ بطريقة «سرية» لا يستطيع الموظف الخاضع للتقييم أن يطلع على نتائج تقييمه، لذا يمكن استخدام طرق كثيرة في تقييم الموظف الحكومي أبرزها «الإدارة بالأهداف» أو التقييم الشامل (360 درجة)، على أن تتم متابعة الموظفين باستمرار، وتقييم أدائهم مرتين في العام من قبل الأطراف كافة ومن ضمنهم العملاء (المراجعون)، مع توفير الوضوح والشفافية للعملية، ومنح الموظف حق الاطلاع على تقرير التقييم، ومناقشته مع المدير المباشر، وحق الاعتراض عليه إن استشعر فيه ظلما أو تمييزا ضده. أيضاً إعادة تصميم سلالم الرواتب: فهذه السلالم تحتفي بالأقدمية، ولا تركز على الكفاءة، وإثابة أصحاب الأداء العالي، وصرف حوافز لهم نهاية العام، لذا نقترح أن يتم تصميم سلالم الرواتب على أساس الإنتاجية والكفاءة، وصرف الرواتب على أساس أجر الساعة (الفعلي)، وليس على أساس الراتب الشهري (المضمون)، أي أن يتم صرف الراتب (الأجر بالساعة) بحسب إنتاجية الموظف الفعلية في اليوم، وهذا يمكن أن يتحقق بفعالية إذا كانت لدينا منظومة صارمة لمتابعة الأداء. بالإضافة إلى الاعتناء بالموارد البشرية: إعادة تدريب وتهيل الموظفين الحكوميين وابتعاثهم للدراسة، لتوسيع معارفهم وتزويدهم بالمهارات وتغيير عقليات البعض منهم، مع ضرورة بحث جدوى الاستثمار في كل موظف، فالموظفون الشباب يكون عائد الاستثمار أعلى بكثير من غيرهم، مع التركيز على غرس قيم مهمة في القطاع العام، أبرزها: النزاهة، والجودة، وخدمة العملاء، والسلامة. وأخيراً ربط تجديد عقد الموظف الحكومي بتقييم الأداء، بحيث يتم تعيين الموظفين الحكوميين على وظائف المرتبة الثالثة عشرة فما دون، بموجب عقود عمل قابلة للتجديد وليس قرارات تعيين، مع تخفيض صلاحية الفصل -إنهاء الخدمات- من مجلس الوزراء إلى الوزير المختص، بحيث يتاح للجهة الحكومية التخلص من الموظفين المتقاعسين وإحلالهم بالشباب والفتيات المتعطشين إلى العمل والإبداع.