معظم المثقفين العرب للأسف حتى ذوي الحظوة من المؤسسات الثقافية في المملكة والخليج يحاولون القفز على التاريخ وحصر التاريخ الثقافي في هذه المنطقة في مرحلة صغيرة من الزمن كانت تعاني خلالها من التمزق والأمية والعزلة والفقر والنزاعات القبلية، في حين يتناسى هؤلاء حواضر الحجاز والأحساء على سبيل المثال فضلا عن ذلك يتعامون عامدين عن الإشارة ولو عبورا إلى الحضارات المتعاقبة رأسيا منذ آلاف السنين في محاولة لتكريس ما يردده الشعوبيون، في مصادرة الهوية العربية وتبخيسها. وفي الوقت نفسه لا يكف هؤلاء من ذوي النزعة الشعوبية - كلما حانت لهم فرصة- عن الإشارة إلى الحضارات العريقة في بلاد الرافدين والشام ووادي النيل بوصفها ذخيرة احتياطية يلجأون إليها على سبيل التباهي بها كإرث خاص بهم، ولو أن هؤلاء كانوا باحثين نزيهين وقاموا بمراجعة سريعة للتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي مرت بها هذه المناطق فإن عليهم أن يخجلوا من اللحظة التاريخية الراهنة المنبتّة تماما عن تاريخهم. وسوف يطول الكلام لو عرجنا على أثر الحضارة الإسلامية التي أسهمت في إعادة الاعتبار للإنسان العربي وإعلاء شأنه. هؤلاء مصابون بتصلب الرؤية يحدقون تحديقة طويلة ويابسة لا يحيدون عنها في فترة زمنية مرت فيها الجزيرة العربية بالعزلة عن العالم قبل ظهور النفط، وقبل أن تتحول المنطقة إلى قبلة اقتصادية فضلا عن ثقلها الديني والتاريخي والحضاري. لكن محاولة طمس الحقائق والتعالي عليها له دوافعه التي تمثل (في أغلب الأحيان) ما يعتمل داخل نفوسهم من حقد مخبوء يظهر عند كل أزمة أو اختبار. لذلك أقول لزيدان الذي يتحدى أن نأتي له باسم عالم من علماء اللغة: أتحداك أن تتأنق بما يليق بكاتب وباحث وتكوي ربطة عنقك جيدا وتقبل بمناقشة العشرات من المتخصصين الذين تصدوا لثرثرتك، كما أتمنى على المؤسسات الثقافية أن تدعوه في أقرب فرصة لكي يرى عن قرب ما لم يره عن بعد في (الحتة الوسطانية). وأخيرا أقول له: هون عليك يا يوسف ! أنت لست سوى مصادفة جغرافية. * قاص سعودي