ربما لم يشعر المشاركون في ندوة الهوية الثقافية والعالم الافتراضي أن هذه القضية الإشكالية محل بحث عالمي، ومحور اهتمام مراكز أبحاث، وقبلة باحثين من مفكرين وفلاسفة يطرحون أسئلة أكثر مما يوفرون إجابات، ويضعون أوراق عمل لا تتجاوز ثلاثة أسطر ليستمر النقاش حولها بالساعات. وربما أدرك مقدم الندوة الدكتور سعيد السريحي أنه في موقف لا يحسد عليه، خصوصا أن بعض الحضور أكدوا أن الواجب أن يكون السريحي متحدثا رئيسيا في تلك الجلسة المتخمة بالكثير من الوصايا والتوجيهات الأبوية، وطرح البعض الاحتمالات على أنها مسلمات. ويقر الأكاديمي الدكتور أحمد آل مريع أن أوراق عمل ندوة (الهوية الثقافية في العالم الرقمي) فقدت عنصرا مهما يقوم على طرح أسئلة مكثفة على الحضور، ما يفتح باب التأويل على وجهات نظر مفيدة وخادمة لموضوع الورقة، ما يعززه ويمنحه قوة وقابلية للطرح مجددا والنشر المحكم. آل مريع تناول مساء أمس الأول في ورقته ضمن برنامج سوق عكاظ الثقافي (الهوية الثقافية في العوالم الافتراضية تحدياتها ومؤكداتها). ويرى في الورقة أن للعالم الافتراضي سلطة وتأثيرات تتراكم من خلالها الأفكار وتتلاقح التجارب ويغيب فيه المرجعي والمركزي. ولفت إلى علاقة الهوية من جهة، والثقافة من جهة ثانية، داعيا إلى ثقافة تعزز الانتماء المجتمعي، وتحقق مفهوم الوطنية، باعتبارها المعنى الجوهري للوجود، والأرضية الخصبة للحاضر والمستقبل. من جهته، تناول الباحث صالح بن سالم سيولة الهوية الثقافية من خلال استلهام مفهوم التعددية، مستعيدا عددا من النماذج من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. وضرب مثالا بتغريدات كل من الدكتور تركي الحمد والدكتور ناصر العمر. وعد مواقع التواصل الاجتماعي مجرد وسيلة لبث الأفكار إلا أنها ليست مغذيا لها. فيما خصص الباحث الدكتور خالد الغامدي ورقته عن الهوية الثقافية والدراما مستحضرا مسلسل (حارة الشيخ) وما أحدثه من نقاش وجدل وما تم طرحه وتبنيه من أصوات تتحدث عن الهوية الحجازية باعتبارها مكونا من هويات صغرى للهوية السعودية الكبرى. وشارك الدكتور خالد الغازي بورقة عن الهوية الثقافية والثورات الصناعية والرقمية. ووصف العالم الرقمي بعالم متفلت لا ضابط فيه ولا قيود له. وأضاف بأن هناك انفتاحا غير مسبوق يحتاج الفرد فيه إلى المعرفة، مشيراً إلى أن مرتكزات الهوية الثقافية (المساءلة والتقويم والتعزيز والثقة والانفتاح والتحليق)، مؤكداً أن من الطبيعة الملازمة لكل ثقافة الترويج لها ضمن دائرة صراع الإرادات في ظل قاعدة البقاء للأقوى.