مازال الناس في جدل للإجابة عن سؤال: هل ينتهي عصر الإعلام الورقي أم يصمد لسنوات قادمة قبل أن يسلم الراية للعالم الرقمي؟ وفي هذه المماحكة القولية بين أدوات الإعلام نشأ جدل مواز عن دور المثقف في إحداث عملية التغير؟ ومعضلة الثقافة العربية أنها تلوك كل شيء حتى توصل الشيء (المُلاك) إلى مرحلة الذوبان، والشاهد على هذا الاجترار بقاء مشكلاتنا بجوارنا ونحن نقف (محلك سر) وتكاد تكون خطواتنا المعقدة ثابتة في مكانها بالرغم أن مقتنيات العصر وضرورياته تحث المجتمعات على السرعة لتكون في زمنها والولوج للمستقبل بأدواته ليكون الانتقال أسهل وأيسر. والانتقالات والتغيرات ما لم تتحرك مع الزمن فسوف يصعب عليها التخلص من المعضلات الماضوية كما حدث للعقلية العربية المتشبثة بالماضي وأفكاره التي كانت صالحة في وقتها لكن من المستحيل أن يواصل ذلك الفكر العمل في معطيات العصر وأدواته الحديثة... والأفكار والوسائل الحديثة قفزت بالجميع إلى منصة اللقاء، فوسائل الاتصال تسجل حضور مؤثرات شعبية حقيقية تجاوزت التأثير الإعلامي أو الثقافي الماضوي، وأصبحت الأدوات التغيرية القديمة (بساستها ومثقفيها) تابعة وليست متبوعة. وعبر التاريخ السابق كان الباث للتغير هم من يرون أنفسهم في خانة النخبة المثقفة التي تعرف ما لا يعرفه العامة وهي صيغة تم النفخ فيها حتى أخذت في التصنيفات تقبل من ينتمي إليها وترفض من لا ينتمي إليها وتدخله في زمرة الغوغاء.. وهي بذلك التصنيف استبعدت كل التخصصات العلمية وأبقت المنشغلين في العلوم الإنسانية كأدوات تغير أممية، ومنذ الإعلان عن دخول عصر العولمة والمثقف العربي يقف منظرا لهذا العصر مع علمه أن العناصر الثلاثة للعولمة (الثقافة والإعلام والاقتصاد) ليست مملوكة له أو ليس صانعا لها، ومع ذلك كان العراب العربي (المثقف) الذي يقول ما لا يقال ويتنبأ بما سوف يأتي قد دخل إلى المتحف.. لأن أقواله وأفعاله اتبع فيها أساليبه القديمة وأهمها إلقاء الخطب من عل، أي أنه لم يتخل عن فوقيته كما أنه لم يشرك بقية العلوم في الدخول إلى مختبر الفلسفة والأخذ من تلك العلوم النتائج لأنها هي المحدثة للتغير الفعلي في الحياة.. ومع دخول الوسائل التقنية الإعلامية الحديثة (والتي يمتلكها الجميع) دخل كل فرد إلى هذا العالم كوسيلة بث إعلامي مستقل يقول ما يريد. وأهم ميزة أحدثتها وسائل الاتصال هي ميزة تحويل مواقع التأثير وانقلاب المفاهيم حيث أصبح المغير الأساس هم العامة وليس المثقفين أو السياسيين... وهذه الميزة تعمل على تغير المفاهيم السابقة وتتجاسر على إعطاء العامة دورا حقيقيا في المدخلات السياسية والثقافية والاجتماعية كون العامة أصبحوا يمثلوا ثقلا سياسيا وثقافيا ليس بسهولة تجاوزه بل تحولوا إلى صانعي قرار.. فهل تعي العقلية السياسية والثقافية العربية ترك التغني بأنها الأوحد في إحداث التغير وهل تنبهت أن البساط تم سحبه من تحت الأقدام أو أننا نشاهد الآن عملية السحب.. ومن يشك في ذلك عليه مراجعة ما يمور في الفضاء الافتراضي؟