كان المنظرون يتحدثون في الظلام عن أزمة الشعر العربي المعاصر ومصير الشعراء البائس، في حين كان الناقد الدكتور سعد البازعي يفتح الأبواب لشمس النهار لتصب ضوءها في حناجر الأصوات الناجزة شعريا. كانوا موقنين أن هذه الأزمة ستؤدي بالشعر إلى الموت والاندثار انطلاقا من نظريات موت المؤلف، وموت النص، وموت النقد. وكان يكتب عن إحياء الثقة مجددا في المبدعين الشباب وبعث الأمل في النفوس ليبعد شبح الإحباط واليأس. كان البازعي ولم يزل يواءم بين مهمة المثقف وحراك الفضاء العام، مؤيدا الانطلاق نحو الجسور الموصلة إلى الآخر والتفاعل معه كون الحضارة لا تكون حضارة إن لم توظف مبدعيها لخدمة الإنسان ولبناء الاطمئنان والسلام، ونشر ثقافة الحياة كقيمة عليا. تملك البازعي مبكرا الأدوات الفنية الموضوعية التي تأخذ على عاتقها وظيفة إعطاء الإبداع صفة إضافية ونقلة نوعية تضع المبدع أمام مسؤولية جسيمة. تخصص في الأدب الإنجليزي ونجح في رصد المكون اليهودي في الثقافة الغربية وتتبع المؤثرين في هذا المسار، ليؤكد لنا أن الفلاسفة من اليهود تحركوا عندما شعروا بالغبن ليقبضوا على نهر توليد المصطلحات والنظريات. وبما أنه أستاذ نقد مقارن تفتحت معارفه على عواصم العالم ومدنية الغرب إلا أنه لم تغب عنه (ثقافة الصحراء) فرسم صورة المثقف المنطلق من مرجعيات عدة منها الصحراء كمعطى جمالي في دلالته مع نقد جمود البعض ورتابة حراكه بحكم انتسابه لهذه البيئة الفاتنة. وفي ظل التأويل افتتن بإحالات القصيدة من خلال قراءة الخطاب الاستغرابي في الشعر السعودي، بين المثاقفة والتوظيف. شخصية البازعي كونية ولذا انتقل بقدراته النقدية ليجمع (جماليات العزلة بين ريلكه وإليوت ودرويش وامرئ القيس) في كتابه (أبواب القصيدة). وكان له الفضل في استنبات اليقظة الجمالية في النصوص، والتقاط مواضع الدهشة فيها، كما تقول الدكتورة دوش الدوسري، لغة البازعي أعذب عندما تمنح الشاعر كل الدوافع الإيجابية لمواصلة مشروعه ليصور الإنسان بأعز أمانيه، ويطور تجاربه وأدواته الشعرية، ولعلنا لا نبالغ أن وصفناه بالناقد الأورستقراطي في طرحه ذلك أنه يكتب عن من يزرع الدهشة بنصه، دون التفات لمكان ومكانة الشاعر ولا جندرة المبدع ولا مستوى معيشته ومؤهلاته. إذ هو المعني بالمضيء واللافت والنوعي. الدكتور سعد بن عبدالرحمن البازعي حاصل على البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة الملك سعود بالرياض 1974، نال الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة بردو بولاية إنديانا في عام 1978، والدكتوراه في الأدب الإنجليزي والأمريكي من جامعة بردو وكانت أطروحته حول الاستشراق في الآداب الأوروبية، عمل أستاذا للأدب الإنجليزي المقارن بجامعة الملك سعود بالرياض منذ 1984 وحتى انتقاله لعضوية مجلس الشورى عام 2009 حيث ما يزال، شغل مناصب عدة منها رئاسة تحرير صحيفة «رياض ديلي» الصادرة باللغة الإنجليزية، ورئاسة تحرير الطبعة الثانية من الموسوعة العربية العالمية، ورئاسة النادي الأدبي بالرياض، ورأس لجنة التحكيم لجائزة الرواية العربية العالمية (البوكر) لعام 2014.