لا تملك إلا أن تحب يحيى الفخراني، مهما كانت الشخصية التي يلعبها حتى ولو كان الشيطان بشحمه ولحمه، فعلى رغم أنه يخلو من معايير فارس الأحلام، إلا أن اختياراته الذكية، وموهبته المتميزة، تجعله دوما أحد الأحصنة الرابحة، إذ يخرج علينا في كل مرة بدور مختلف، لشخصية غير مألوفة، بعيدة عن الرتابة، ذات معان عميقة، لا يمكن إلا أن تحتل مكانة في القلب. ويبدو أن غياب الفخراني العام الماضي عن الموسم الرمضاني، دفعه للعودة بقوة من خلال مسلسل درامي اجتماعي، يحمل بين طياته الجانب الكوميدي، في قالب غريب، جعل (ونوس) في وضع شد وجذب للنقاد والمتابعين، باعتبار أن الشخصية تمثل «إبليس» في أجلى صوره، على رغم الرمزية التي اعتمدها «سيناريست» العمل الأديب عبدالرحيم كمال. يشخص المسلسل الذي تشارك في بطولته هالة صدقي ونبيل الحلفاوي، الصراع الأبدي بين الخير والشر، وتدور أحداثه حول أسرة مصرية، يختفي عائلها الأب (ياقوت) لأكثر من 20 عاما، بعد أن ارتكب كل الموبقات، ويترك خلفه زوجة وأربعة أبناء، فتتولى الزوجة المسؤولية، ليظهر «ونوس» فجأة، باعتباره أحد أصدقاء الأب، ليخبرهم أن لوالدهم إرثا كبيرا، وعليهم البحث عنه، لإقناعه بتوقيع الأوراق الرسمية المطلوبة للحصول على الإرث، مستغلا بذلك حاجة الأبناء الشديدة للمال، ليصبح الجميع أدوات بين يديه لتنفيذ خططه الشريرة. ولم يخف المؤلف وجه الشبه بين الشيطان «ونوس»، وشيطان «فاوست»، الشخصية الرئيسية في الرواية الشعبية الشهيرة للروائي الألماني «جوتة» التي تحولت إلى مسرحية باع فيها الساحر والكيميائي الدكتور يوهان جورج فاوست نفسه للشيطان مقابل الدنيا. ودلل على ذلك حين استهل المسلسل بمشهد من الفيلم العربي «سفير جهنم» الذي قدمته السينما المصرية في أربعينات القرن الماضي، كأول ظهور للشيطان على الشاشة بطولة يوسف وهبي. ويبدو أن المسلسل قدم دليلا واضحا لمن يعتقدون أن «ونوس» مجرد إنسان يحمل بداخله الخير والشر، إذ تخلى عن الرمزية منذ اللحظات الأولى، حين دق باب الشقة، واتجهت انشراح (هالة صدقي) لفتحه، إلا أنها لم تجد أحدا، وحين التفتت فوجئت ب«ونوس» داخل الشقة، ما يوحي بأن لديه قدرات خاصة، لا يمكن أن تتوفر إلا لمخلوق خارق للعادة. وبعيدا عن الحبكة الدرامية، يظل «ونوس» أحد الأعمال الجادة، التي اقتحمت الفضائيات هذا العام، لتؤكد أن يحيى الفخراني ذا السبعين ربيعا، قادر على كسب تعاطف المشاهد العربي، مهما كانت طبيعة الدور، فالأمر بالنسبة للطبيب الممثل ليس مجرد ظهور لإثبات الحضور، بقدر ما هو تجسيد مميز لشخصيات ذات صدى، تبقى آثارها عالقة في الأذهان، إلى أن يمحوها بعمل آخر.