لم تنل سهام الاتهامات الباطلة من عزيمة ومثابرة وقناعات الروائي تركي الحمد، بل كانت له دافعا غنيا لمواصلة المنجز والتعلق بحبال العذابات الكبرى، لم يلتفت إلى فريق طارده بالتكفير أو التضليل، متسلحا بإيمان مطلق أن التجربة الإبداعية تجربة إنسانية، نقد بعض السلوكيات الخاطئة عند المسلمين فضج كثيرون، علما بأن جميع العقلاء يرون أن نقد السلوكيات ليس نقدا للإسلام، لأن البشر لا يمثلون الإسلام بل يمارسونه. كان الحمد متماهيا مع الإنسان في كل قطر على هذه الأرض، وربما ردد مع محمود درويش (ليتني بائع خبز في الجزائر لأغني مع ثائر . ليتني راعي مواشٍ في اليمن . لأغني لانتفاضات الزمن . ليتني عامل مقهى في هافانا . لأغني لانتصارات الحزانى . ليتني أعمل في أسوان حمّالا صغير. لأغني للصخور). يكتب الحمد بأناقة دارس لأبجديات السياسة، مستوعب لروح الفلسفة، متقن للغة المفكرين، عاشق لمنعطفات السرد، ويقر بأن الكاتب أو المفكر يحاول من خلال عمله تقديم فلسفته ومجمل نظراته في الحياة سواء قال ذلك علنا ومباشرة كما في حالة الفيلسوف، أو قاله ضمنا ومواربة، كما في حالة الروائي. عبّر أبو طارق في رواياته عن القضايا الكبرى وإشكالية الحريات، وارتبط اسمه بفضاء سردي أوسع كونية ليكون قنطرة عبور الشعوب إلى هموم بعضها، ويؤكد أن الكتابة بحث عن الجوهر في الكاتب، وعن المعنى في ما حوله وعن الهدف من مسيرته.صنع الحمد من خلال ثلاثيته مرايا نرى فيها أنفسنا في المقام الأول في مختلف الأوضاع ومختلف الاتجاهات في سبيل تكوين صورة ثابتة عمّن نحن، وماذا نريد، وإلى أين المصير. واضح بالنسبة لمريديه، أنه لن يبلغ منطقة الرضا عما أنجز، فهو شديد التطلب وملول من المنجز. ويشعر أنه لم يصل إلى حدود ما يسمى السرد الصافي، وإن كنا نغذي أنفسنا بوهم وجوده. لفتنا الحمد إلى أنه كلما كنّا أكثر صدقُا مع أنفسنا استطعنا أن نقول للآخرين شيئا يستحق القول. جاذبية (هشام العابر) لا ترتبط بأحداث حياتية أو كاريزما شخصية فقط، بل تنبعث من فن المهنة الكتابية والبلاغة العظيمة في سرده والعواطف المشحونة والعنصر المباغت، والوصل الشفيف بين رائحة الكراديب وبين ريح الجنة. الدكتور تركي مولود في 10 مارس 1952 في مزار الكرك بالأردن حاصل على درجة الدكتوراه في النظرية السياسية من جامعة جنوب كاليفورنيا عام 1985، حاصل على الماجستير من جامعة كلورادو الحكومية عام 1979، عمل أستاذا للعلوم السياسية في كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود بين عامي 1985 – 1995، ثم تقاعد. كانت بداياته كاتبا في جريدة الرياض وثم انتقل إلى كاتب في جريدة الشرق الأوسط منذ عام 1990. له من المؤلفات الحركات الثورية المقارنة، دراسات ايديولوجية في الحالة العربية، الثقافة العربية أمام تحديات التغيير، عن الإنسان أتحدث، أطياف الأزقة المهجورة (ثلاثية روائية): العدامة، الشميسي، الكراديب، الثقافة العربية في عصر العولمة، شرق الوادي (رواية)، جروح الذاكرة (رواية)، ويبقى التاريخ مفتوحا، من هنا يبدأ التغيير، ريح الجنة (رواية)، السياسة بين الحلال والحرام.