وصف محمد علي كلاي نفسه مرة فقال.. «أطير كالفراشة وألسع كالنحلة».. ولو قُدر له عندها أن يستشرف كيف ستكون جنازته لأضاف: «وعندما أموت.. ستنعاني حبال الحلبات.. وقفازي المشقوق.. سأستلقي كحمامة سلام.. وسيجتمع حول جثماني المسلمون والمسيحيون.. وحتى من لا دين له.. سيبكيني من عرفني ومن لم يرني يوما.. إلا عبر الشاشات».. وهذا ما رأيناه.. سحابة حزن أمطرت على العالم بوفاة عرّاب الملاكمة في عصره.. صلاة إسلامية سيحضرها الآلاف من كافة الطوائف الإسلامية والمسيحية.. رؤساء دول.. سيحضرون في جنازته.. سيقفون جنباً إلى جنب مع عامة الناس.. هم كلهم محبون للبطل.. سيشيعون كلاي «الأصيل».. إلى مقبرة لويزفيل.. مدينة سباقات الخيول الأشهر.. هي مسقط رأسه وباتت مرقده اليوم أيضاً.. ربما من أجل ذلك بدا علي وكأنه مات واقفاً.. وكأني بهذا المشهد أرى حلقة من مسلسل القصبي الشهير: «سيلفي».. فهو وإن لم نتفق حوله.. إلا أنه يقدم نفسه كمرايا كاشفة لمجتمعنا.. وحلقة «سيلفي كلاي» اليوم تُعرض ولكن بأسلوب تلفزيون الواقع.. ليست تمثيلاً.. هي رسالة أخيرة من الأسطورة الكبير.. عنوانها: «يمكننا أن نتعايش بسلام.. وإن اختلفنا». أظنها ذاتها رسالة «سيلفي».. «التعايش بسلام مع الاختلاف». أتأمل وأتساءل: ترى من الأكثر حزناً على وفاته اليوم؟!.. هل هم الأمريكيون بكافة أجناسهم ودياناتهم.. أم العرب المسلمون.. أم غيرهم؟! لا أعلم حقيقةً.. ولكنني أعتقد بأن الفيتناميين (ربما) هم أكثر الشعوب حزناً على وفاته.. فكلاي ضحى بلقبه النفيس من أجلهم.. بل كاد أن يسجن لأنه صرخ: «لن أقاتلهم.. فهم لم يلقبوني بالزنجي».. كان رافضاً لحرب بلاده ضدهم.. عقيدته بأن المسلمين ليس من المفترض أن يخوضوا حروباً.. وأن العنف يتعارض مع صميم مبادئ الإسلام.. فهو دين السلام والمحبة.. ولكن هل من آذان صاغية؟!.. هل من قلوب واعية؟! رحم الله محمد علي كلاي.. قال يوماً: «الملاكمة مهنتي التي أجيدها تماما.. مثلما تنمو الحشائش.. وتحلق الطيور.. وتغطي الأمواج الرمال.. أنا أهزم الناس». وبالفعل.. هزمهم حتى عند موته.. فقبضته التي وصفت ذات مرةً بأنها تزن طناً.. لم ترسخ للعنف أبداً.. بل كانت قبضة تحمل غصن زيتون.