كانت النافذة. قريبة من الأرض. لم يكن داخل البيت أحد عدا ميزب معلّق تتعالى منه صرخات رضيع. دخلت البسّة من بين درفتين مواربتين. شرعت في شمشمة المواعين. البسة لا تعلم عن دخول شهر رمضان. تعشق التجوال والشمشمة وتؤدي دورا في لحس أطراف الصحون وبطون القدور. لم تجد ما تلبي به نهمها. فانحازت إلى ميزب الصغير تتحكك فيه. رأت قارورة الحليب. فانتخشتها من تحته والتهمت البزاز (ديس الرضاعة). لم تكن القرية تعرف مخلفات الأكل. كان الطبخ بمقدار الحاجة بل أقل من الحاجة. والأسرة تأتي على جميع المائدة حتى آخر لقمة. أحد الإخوة تعوّد أن يسرد على الأسرة قصة خيالية تشدّهم وتلهي أيديهم وأعينهم عن الزاد. لينفرد بالحظ الأوفر من المائدة. لم يتردد الأب في قمعه بالعصاة على ظهر كفه مرددا (كل على مهلك جعله يفقعك) ثم شمط البسة بمطرق الرمان صائحا عليها انقلعي وراك نلقاها منك وإلا من لقمان هذا اللي يتسرط اللقم ويحرم إخوانه. كانت سيدة الدار منشغلة بإرضاع الصغير قبل أن تتناول إفطارها. ألقمته ثديها السخي وتناولت الطاسة لترشف منها ماء زلالا ووضعت في فمها حبة تمر. وغدت تردد (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر) كما حفّظها ابنها طالب المرحلة الابتدائية نقلا عن معلم الدين. اقتربت البسة من الأم لمست على ظهرها. خاطبتها (إنتي اللي لجغتي ديس رضاعة صغيري. السود فالك) بدأت البسة ترتل نغمات مموسقة. سارع ابنها ذو العشرة أعوام وانسدح على ركبة أمه. احتضنها. سأل أمه (ليش البسة معها شوارب وإنتي ما معك) ضحكت الأم وأجابت (خلقة الله يا فرخي). طرح سؤالا ثانيا: البسة وش تقول يا مه؟ ردّت: تقرأ قرآن. حاول أن يستلطفها إلا أنها أنشبت مخالبها في يده فصاح وانتغز الرضيع. أكملت القرية حصاد مزارع القمح. وسطحت الربطات قرب الجرن. استعدادا للدياس مطلع النهار. الابن المخموش قرر الانتقام من البسة الشريرة. استرق الكبريت من طرف الملة في غفلة من أمه. بلل طرف ذيلها بقاز. أشعل عود الثقاب. انطلقت بين الحزم. استيقظت القرية على نار التهمت المحصول بسبب بسّة رمضان. شهر مبارك وسلامتكم.