بدأ تلفزيون أرامكو إرساله من الظهران في 16 سبتمبر 1957 ليصبح بذلك أول محطة تلفزيونية ناطقة بالعربية في الخليج، وثاني محطة تلفزيونية في العالم العربي من بعد تلفزيون بغداد الذي كان قد أفتتح قبل ذلك التاريخ بعدة أشهر. والمعروف أن هذه القناة التلفزيونية كانت تبدأ برامجها يوميا بعزف النشيد الوطني السعودي، الذي كان وقتذاك مجرد موسيقى بدون كلمات، ثم آيات من الذكر الحكيم، فمجموعة من الفقرات التي كانت تتراوح ما بين برامج منتجة محلية تستهدف التوعية بأمور الصحة والسلامة والنظافة، وبرامج تثقيفية مثل «المباراة الثقافية بين المناطق الثلاث» (المقصود بالمناطق الثلاث مدن الزيت الرئيسية الثلاث الظهران وبقيق ورأس تنورة)، و«زاوية الكتب»، وبرامج ترفيهية متمثلة بأفلام هوليوود والسينما المصرية والمسلسلات الأمريكية ذات الطابع الفكاهي أو الاجتماعي. إلى ذلك كانت القناة تبث نشرات الأخبار المحلية المصورة، وبرامج الأطفال، وأفلام الكارتون من إنتاج والت ديزني، ومسابقات المصارعة الحرة من الحلبات الأمريكية، وبرنامج ديني أسبوعي للرد على استفسارات المشاهدين الشرعية. كان هذا يحدث في الأشهر والأيام العادية. أما في شهر رمضان، فإن محطة تلفزيون أرامكو كانت تستعد لاستقبال الشهر الفضيل بتغيير واسع في خارطة برامجها، سواء لجهة نوعية المادة المعروضة أو ساعات البث. فمثلا كانت ساعات البث تمتد أحيانا إلى ما بعد منتصف الليل، وكان هنا ميل نحو تخفيف البرامج الترفيهية ذات الصبغة الغنائية الراقصة، مقابل زيادة مساحة البرامج الوعظية وفقرات تلاوة القرآن والأحاديث النبوية الشريفة. وأتذكر، بحكم نشأتي وترعرعي في مدينة الخبر، وبالتالي معاصرتي للبث التلفزيوني الأول في منطقة الخليج منذ إطلاقه وحتى إيقافه باللغة العربية في أوائل عام 1970، أن المشاهدين كانوا يستطلعون أخبار رؤية هلال رمضان من تلفزيون أرامكو الذي كان يقطع برامجه ليقرأ بيانا صادرا بهذا الخصوص من محكمة الظهران الشرعية بإمضاء قاضي قضاة الظهران الشيخ عثمان إبراهيم الحقيل رحمه الله. وقد جرت العادة وقتذاك أن يكون فيلم السهرة المصري بعد ثبوت رؤية هلال رمضان، هو أحد أفلام السينما المصرية ذات الارتباط بأحداث تاريخية إسلامية. وهكذا كان الجمهور يعرف مقدما أن فيلم الليلة الأخيرة من شعبان والليالي التالية من رمضان، إما فيلم «ظهور الإسلام» (قصة الدكتور طه حسين) من إنتاج عام 1954، وبطولة كوكا وعماد حمدي وعباس فارس وسراج منير وأحمد مظهر، وإما فيلم «واإسلاماه» من إنتاج 1961 وبطولة لبنى عبدالعزيز وأحمد مظهر وفريد شوقي وعماد حمدي ومحمود المليجي ورشدي أباظة وحسين رياض وتحية كاريوكا، وإما فيلم «طاهرة» الذي يشتمل على نفحات إيمانية ودعوات للتوبة عن المعاصي والرجوع إلى الله، وهو من إنتاج 1957 وبطولة مريم فخر الدين ومحمود إسماعيل ومحمود المليجي ومحمد توفيق، وإما أفلاما تدور أحداثها في الشهر الفضيل كفيلم «في بيتنا رجل» من إنتاج 1961 وقصة إحسان عبدالقدوس، على سبيل المثال. في الليلة الأخيرة من رمضان، وبعد ثبوت دخول شهر شوال، كان موعد المشاهدين السنوي مع رئيس شركة أرامكو السيد توماس تشارلز بارقر الذي كان يطل عليهم من الشاشة الصغيرة ليهنئهم بعيد الفطر السعيد باللغة العربية التي كان يجيدها بطلاقة. وبارقر، الذي التحق بأرامكو ابتداء كجيولوجي في عام 1938 ثم تدرج في السلم الوظيفي إلى أن شغل المنصب الأعلى في أرامكو ما بين عامي 1961 و1969، يعتبر من أشهر من شغلوا رئاسة أرامكو من الجنسية الأمريكية، وأكثرهم قربا إلى مرؤوسيه، بسبب اهتمامه الشخصي بتدريبهم وتدشين المشاريع الخدمية التي تصب في صالحهم مثل مشروع تمليك البيوت لموظفي الشركة السعوديين عبر تقديم قروض ميسرة لهم تسترد على مدى ربع قرن. * كاتب وباحث أكاديمي من البحرين