نهاية عام 2015 عندما كان معظم المحللين السياسيين العرب يعتبرون فوز «دونالد ترامب» بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة الأمريكية ضربا من ضروب المستحيل، ويؤكدون بكل ثقة أنه لن يستطيع تجاوز أضعف منافسيه لأنه حسب اعتقادهم مجنون وعنصري ولن يجد دعما من أي أمريكي عاقل.. في ذلك الوقت كتبت في هذه الصحيفة مقالة بعنوان «لماذا نخسر الشيخ ترامب؟»، أوضحت فيها أن حظوظ «ترامب» رغم كل الحملات الإعلامية ضده هي الأفضل مقارنة بحظوظ جميع منافسيه، فهو رجل ملهم لكثير من الأمريكيين ومفكر له مؤلفات وإصدارات مهمة وجماهيرية مترجمة لمعظم اللغات، كما أن جميع استطلاعات الرأي في الولاياتالمتحدة حينها كانت تصب في صالحه، بل إن الفارق بينه وبين أقرب منافسيه في الاستطلاعات المحلية آنذاك كان كبيرا ولافتا تكاد تتجاوز نسبته الضعف. قلت حينها أيضا «إن مشكلة المحلل السياسي العربي أنه «شاعري» ومنفصل عن الواقع.. ويمكنه أحيانا أن يكتب قصائد مديح وهجاء بلغة سياسية ثم يوقعها باسمه ويسميها «رؤية سياسة» ويعتقد أن العالم سيسير وفقها، هكذا بكل صفاقة، لأنه في الغالب لا يستطيع أن يدرس القضايا المطروحة ويلم بكافة جوانبها، كما أنه لا يجيد وزن المعطيات بثقلها الواقعي بشكل يؤهله للحكم عليها موضوعيا». اليوم أثبت الشيخ ترامب (وصف شيخ نسبة للثراء) أنه كاسحة ألغام سياسية وشعبية بعد أن أزاح جميع منافسيه من الجمهوريين وبات قريبا من كرسي الرئاسة الذي تسعى إليه في المقابل الديمقراطية هيلاري كلينتون مع منافسها من نفس الحزب بيرني ساندرز، ومن يقارن بين التجمعات الانتخابية لترامب وكلينتون سيذهله الفرق الكبير بينهما، فتجمعات أنصار ترامب تكاد تشتعل حماسة وصخبا فيما أنصار هيلاري ينامون على كراسيهم أثناء إلقائها خطبها، كما أن الجامع الأساسي لأنصار كلينتون هو «كراهية ترامب» نتيجة الحملات الإعلامية ضده لا الثقة في مرشحتهم وهذا أمر لا يخدمها كثيرا إزاء السياط التي بدأ ترامب يوجهها لها وردودها الضعيفة عليه، خصوصا مع ميل المزاج الشعبي الأمريكي حاليا لاستعادة القوة والعظمة الأمريكية التي يعتقد كثيرون أن الولاياتالمتحدة فقدتها في السنوات القليلة الماضية في ظل حكم الرئيس الديمقراطي «باراك أوباما». أوصل ترامب أخيرا «هيلاري كلينتون» إلى أن تطالب الأمريكيين باللجوء لعلماء النفس ليشرحوا لهم سبب إعجاب ترامب بالطغاة كفلاديمير بوتين، وهي بذلك تدعمه دون أن تشعر، فنسبة كبيرة من الأمريكيين تحلم برئيس قوي مثل بوتين الذي تتزايد شعبيته داخل أمريكا نفسها منذ أشهر، وهذا أمر تكشفه استطلاعات الرأي.. في المقابل يطالب ترامب بسجن هيلاري بسبب استخدامها سيرفر بريد إلكتروني خاص أثناء عملها وزيرة للخارجية، وهو بذلك يوجه رسالة نفسية للأمريكيين فحواها أن منافسته غير جديرة بالثقة وأن سلوكها من أسباب ضعف أمريكا التي يجب أن تستعيد قوتها، وهذا ما يتوافق مع شعار حملته «لنعد أمريكا عظيمة من جديد».