في عام 1409 ه 1988م. كنت في طريقي بالسيارة إلى محافظة بلقرن لبدء مشوار العمل مدرسا في معهد سبت العلايا العلمي. حرصتُ أن أصطحب معي مجموعة كتب في كرتون حملته بسيارتي الكراسيدا موديل 80. سكنت شقة مع أصدقاء كانوا يغادرون كل أربعاء لأنهم متزوجون ويعودون الجمعة. أهتبلت فرصة الخلوة إلى نفسي يومين أسبوعيا. فتحتُ كرتون كتبي. وجدت ضمنه كتابا بعنوان (الطرف الآخر) مؤلفه عبدالله مناع. أصدقكم أني لا أدري من أين جاء هذا الكتاب بين الكتب الشرعية واللغوية كوني خريج قسم أصول الفقه. لم أكن أعرف المؤلف ولا يعنيني ما دام بين يدي هذا السفر من الجمال. بدأتُ القراءة ودخلت مع الطرف الآخر في علاقة حميمة حدّ أني كنت أقرأ بالأسطر خشية أن أنتهي مبكرا من فتنة اللغة. وجمال الأسلوب. وسلاسة التعبير. واستفزاز المشاعر. الطبيب الذي خلع المعطف الأبيض لم يخلع ضرس العقل. فكل طرح وفكرة وإنسان قابل لإخضاعه للمنطق والتأمل ووضع المقدمات والتصورات كافة. تشرب الأفكار يسارية ويمينية مبكرا لكنه انحاز إلى الإنسان. روح قوية لا تقبل المساومة. ولا تعترف بأنصاف الحلول عند قول كلمة الحق. مأخوذ بالأفكار الكبرى دون الاستسلام لها ولا ترميز منتجيها. متصالح مع ذاته وواقعه ولذا لا تكتنفه نرجسية. سديد الرأي. يمكن أن نطلق عليه لقب ( أستاذ) بكل طمأنينة. ولد مناع في حارة البحر في مدينة جدة 1939م. تحصل على الابتدائية من المدرسة السعودية في حارة الشام وعلى الكفاءة المتوسطة من المدرسة الثانوية السعودية وعلى الثانوية العامة التوجيهية القسم العلمي من المدرسة السعودية الثانوية بالقصور السبعة في البغدادية. ابتعث إلى مصر أوائل عام 1957م والتحق بكلية طب الأسنان في جامعة الإسكندرية وتخرج فيها في أواخر عام 1962م. عاد إلى أرض الوطن وتم تعيينه طبيبا للأسنان بالمستشفى العام في جدة وكاتبا ومحررا في صحيفة الرائد الأسبوعية. واصل مشواره الأدبي والصحافي بالكتابة في جريدة المدينة مع بقاء التزاماته في جريدة الرائد. تم اختياره عضوا في مؤسسة البلاد للصحافة والنشر ورشح لرئاسة تحرير البلاد. انتقل إلى صحيفة عكاظ وكتب فيها سلسلة مقالات عن الإنسان والحياة. عام 1392ه ترك وزارة الصحة وتفرغ لعيادته ومشروعه الكتابي ثم تخلى عن طب الأسنان لصالح الثقافة. ليكلف بتأسيس وإصدار مجلة إقرأ وتم اختياره رئيسا لتحريرها 1394ه. ترك رئاسة تحرير اقرأ عام 1397ه ثم عاد إليها في شوال عام 1399ه واستمر حتى 1407ه. تم تعيينه عضوا منتدبا لدار البلاد للطباعة والنشر. ثم رئيسا لمجلس الإدارة وعضوا منتدبا للدار. تم اختياره رئيسا لتحرير مجلة الإعلام والاتصال في ربيع الثاني من عام 1419ه 1998م. أسهم بمحاضرات عامة منها (المستقبل) ألقاها في نادي الاتحاد. ومحاضرة (الجهل كارثتنا) ألقاها في نادي النصر بالرياض. ثم (الصحافة والحقيقة) ألقاها في جامعة الملك عبدالعزيز. و(الموسيقى وأثرها في حياة الشعوب) قدمها في جمعية الثقافة والفنون في جدة ثم (الأدب والمجتمع) قدمها في مدينة الجوف. ثم محاضرة بنادي جدة الأدبي الثقافي بعنوان (العواد بين الخفقات والإخفاق) وفي أدبي أبها قدم محاضرة (حمزة شحاتة قيثارة الشعر التي صمتت قبل الأوان) ومحاضرة (حمد الجاسر علَّامة وعلامة).