بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على وفاة الأديب والمؤرخ أحمد السباعي، أثار الكاتب المسرحي إبراهيم الحارثي، شكوكاً كثيرة حول ريادة السباعي للمسرح السعودي، موضحاً أنها ريادة مغلوطة ولم تكن مغلوطة. وقال الحارثي إن السباعي الذي بدأت تجربته المسرحية قبل نحو خمسين عاماً «أنشأ مسرحاً، وأوكل فيه عملية الإخراج والكتابة والتمثيل لغيره، وكانت هناك مهمة بيع للتذاكر أوكلها بدوره لعمه محمود السباعي، ولكن أعقب محاولة السباعي حركة مضادة تمثلت في حركة المحافظين، التي أتت على مشروع السباعي التجاري». وحول وصفه مشروع السباعي ب «التجاري»، أوضح الحارثي: «بالفعل، كان مشروع السباعي تجارياً بحتاً، والدليل توقفه تماما، ولو كان صاحب قضية وهدف يكمن في استمرارية المسرح السعودي لناضل ونقل مشروعه لأي منطقة أخرى مجاورة لمكةالمكرمة، وكان بإمكانه مثلاً أن ينقل هذه التجربة لمدينة منفتحة أكثر تقرب مكةكجدة لأنها تعتبر عاصمة فنية وغنية». ورأى الكاتب المسرحي، الفائز بجائزة أفضل عرض متميز في مهرجان الصواري المسرحي التاسع الذي اختتم فعالياته مؤخراً في البحرين، أن السباعي لم يجلب المسرح متأثراً بالتجارب الخارجية، ولكنه «جلبها من داخل الوطن كما أثبت الدكتور عبدالله العطاس الذي قال إن مدينة جازان عرفت المسرح قبل أن تعرفه مكةالمكرمة تماماً». وأضاف: «كما أنه كانت هناك حركة فنية عظيمة على الشق الشرقي من المملكة العربية السعودية لم تدرج أو توثق وحصلت في الأحساءوالدمام»، ليقول بعد ذلك: «إن ريادة السباعي بالنسبة للمسرح السعودي هي ريادة ليست حقيقية وريادة مغلوطة، بل وتعتبر ظالمة للسباعي، لأن السباعي له عطاءات إعلامية وثقافية رائعة، لكن المسرح ليس هدفه ولا قضيته، بل كان مجرد «تجارة»». وشدد الحارثي على أنه هنا لا يجرد السباعي من دوره، «لكن أقول إن السباعي ليس محركاً رئيسياً للقضية المسرحية في الوطن»، مشيراً إلى أن هناك «جمال قاسم في الدمام، و«عبدالرحمن» المريخي في الأحساء، وإبراهيم الحمدان وأحمد الهذيل ومحمد العلي في الرياض، وعبدالعزيز الصقعبي وفهد الحارثي وأحمد الأحمري في الطائف». وفي نظر الحارثي، فإن «انطلاقة المسرح السعودي الحقيقية جاءت بعد أن انطلق مشروع جمعية الثقافة والفنون الذي أسسه أبناء الأحساء وبدوره تبنى بعد ذلك التجربة المرحوم الأمير فيصل بن فهد فأسس لهذا الحراك جمعية كانت برئاسة بدر بن عبدالمحسن». وتابع قوله: «إذن نحن أمام أمر مفصلي وهام، يشير إلى أن جهد السباعي الفردي كان تجارياً، لم يكن منهجياً أو وطنياً، بل هو ربحي فقط، لم يكن فنياً أو ثقافياً، الدور الفني كان متمثلاً في عديد من الأسماء التي ساهمت في دفع الحراك المسرحي نحو بقع الضوء هذه، وأوصلت المسرح السعودي لمرحلة فهم الرؤية التي نلاحظها الآن». واختتم الحارثي بقوله إن «المفاصل المتحركة التي أضافت للتجربة المسرحية واضحة وجلية، وحصر الريادة في السباعي يظلم المسرح السعودي، والخطأ يكمن في عملية التوثيق، فنحن من الناحية الفنية لم نوثق التجارب المستمرة التي اتضحت جلية في مشروع المريخي الذي ناضل من أجله وأفرز من بعده أجيالاً ساهمت في الرقي بالمسرح السعودي واتخذته قضية واستمرت مناضلة عنه وله». هذا الرأي عندما طرحه الحارثي على صفحته في «فيسبوك»، تحول إلى جدل لم ينته بين المسرحيين السعوديين كتاباً وممثلين، كان منهم المؤيد وكذلك المعارض، ومن بين المؤيدين رئيس جمعية المسرحيين السعوديين، الفنان أحمد الهذيل، الذي بدأ تعليقه بقوله: في فمي ماء يمنعني من التعليق بحرية كاملة، مضيفاً أن «الحارثي رمى الكرة في مرمانا.. وعلينا أن نتخلّص من بعض الماء ونقول إنّه كان شجاعاً وجريئاً في قول ما لم أكن قادراً على قوله وخاصة فيما يتعلّق بالريادة في نشأة المسرح في حياتنا.. نعم لم نكن نجرؤ أن نلغي صفة أسبغت على الأديب أحمد السباعي -رحمه الله- لمشروع لم يكتب له النجاح.. لكنّ الحارثي أشار إلى أن المشروع برمته وبكلّ وضوح كان مشروعاً تجارياً وأن الرجل استعان بكاتب للمسرحية وبمخرج وبممثلين وبنى داراً للتمثيل وكوّن فرقة مسرحية. وعندما تم إحباط مشروعه وتم وأده في مهده لم يقم بنقله إلى مكان آخر أكثر قبولاً من منطقة لها خصوصيتها الروحانية.. كما أن هناك تقصيراً من المشتغلين بالمسرح.. وبشكل دقيق في غربلة ما تم تأريخه عن المسرح في المملكة العربية السعودية وبالخصوص من قبل الجهة المعنية بالمسرح في بداياته بالدولة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون وفروعها». واستطرد الهذيل: «وبما أن المملكة مترامية الأطراف وكان هناك مناطق متعددة كان لديها حراك مسرحي ولكن بعدها عن الضوء الإعلامي حرمها من إيصال وتوثيق نشاطها.. كنت أتمنّى ولا أزال أن تقوم جمعية الثقافة والفنون بالاتصال بجميع المسرحيين الذين عايشوا الحركة المسرحية منذ ما يقارب الخمسة عقود وجمع المعلومات والوثائق المتوفّرة.. لإعادة كتابة تاريخ المسرح بالمسرحيين الحقيقيين الذين وضعوا قواعده من البداية!». لكنّ الكاتب المسرحي فهد ردة، اختلف مع الحارثي، موضحاً أنّه لا يذهب إلى ما ذهب إليه من بابين، الأول: حبه الشخصي لشخصية السباعي، والثاني: اعتقاده بالدور الطليعي الذي كان يتبناه السباعي في مختلف النواحي. وقال: صحيح أن السباعي القاص والروائي والكاتب والصحفي ليس مهموماً بالمسرح كاشتغال، لكنه كان مشغولاً به كفكر، وإلاّ لما خسر تلك الخسائر في سبيل مشروع ليس مادياً بقدر ما هو فكري، ثم أن الرجل أصيب بصدمة ما بين السماح له حتى المراحل الأخيرة ثم هدم كل ذلك في لحظة واحدة. إلا أن ردة لم يخف أن المسرح كان معروفاً قبل السباعي وبعده، لكنه شدد على أن ما يحسب له هو محاولته تأسيس ما لم يتمكن غيره منه حتى الآن، وهو إنشاء فرقة لها مسرحها ومشروعها التدريبي الذي كان يمكن أن يكون نواة لمعهد مسرحي. وعلى الرغم من ذلك، اتفق ردة مع الهذيل «تماما» في قضية التوثيق فيما يخص المسرح وبداياته، وأن تسجل كل مدينة في المملكة بدايات المسرح لديها والأسماء والتجارب المهمة. وقال إنّه ينظر لموضوع النضال من زاويتين، «الأولى موضوع النضال الذي لم يكن ممكناً وقتها، والأخرى موضوع الصدمة، صدمة أن يمنع مشروعك لحظة تكامله، وليس لحظة البدء فيه، حتما وقتها ستنهار أشياء كثيرة في داخلك تمنعك حتى من التفكير في خطوة قادمة». أما المسرحي فهد الأسمر، فنظر للموضوع من زاوية مختلفة، بقوله: لتذهب الريادة إلى الجحيم ما دمنا حتى اللحظة نستجدي مسرحاً لنعرض عليه أعمالنا المسرحية، ونذل ونهان ونريق ماء الوجه لمسؤولي المرافق الحكومية حتى يمنحونا مسرحاً لبضعة أيام، كي نقدم فيه عرضاً تعبنا عليه شهوراً! وأضاف «لتذهب الريادة إلى الجحيم ما دمنا لا نستطيع أن نكتب «عرضاً مسرحياً» في أيّ فعالية أو احتفالية عامة أو خاصة دون أن نلتفّ عليها بكلمة أو أخرى. ما يحسب لنا أننا أنشأنا جمعية للمسرحيين لكنها ماتت قبل أن تولد. وبعد سنتين تحرك من في قلبه عشق ليحييها من جديد، فإذا بهم يطعنون بمسرحيين يأبون ذلك ويرددون نحن لم نستقل! لتذهب الريادة إلى الجحيم لأننا تركنا همومنا المسرحية وركضنا خلف من هو أوّل من قدم ومن هو أوّل من أسس؟!». يذكر أن الراحل أحمد السباعي هو أديب ومؤرخ سعودي «1323 – 1404ه»، حصل على جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1404ه، وأسس دار قريش للتمثيل القصصي في مكةالمكرمة عام 1381ه، وهو بالإضافة إلى ذلك يعتبر أول مؤلف مدرسي في تاريخ التربية والتعليم في المملكة.