هل الأسرة هي نواة المجتمع فعلا أم أن الفرد أصبح نواة المجتمع بعد ثورات حقوق الإنسان المتلاحقة؟ والتي فتتت كل الكيانات التقليدية بما فيها الأسرة والعشيرة والقبيلة؟ ليست مهمة الإجابة على هذا السؤال بقدر أهمية إعادة تعريف مفهوم الأسرة في ظل المستجدات المادية والحقوقية، مع ارتفاع وتيرة المطالبة بحقوق الفرد واتساع دائرتها، حتى بلغت في بعض الدول حد الاعتراف بزواج المثليين على سبيل المثال، واعتبار هذا الزواج مؤسسة أسرية لها كيانها المادي والمعنوي في الدول التي اعترفت بهؤلاء الشواذ أسرة. كما أن المهم معرفة ما إذا كانت الأسرة لا تزال مؤسسة قائمة. لم تكن الحقوق دائما توجد لتعبئة فراغ كان شاغرا، فبعض تلك الحقوق تسلخ من طرف وتعطى لطرف آخر كما هو الحال مع بعض حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وحقوق الأقليات إلخ. فهل يشكل سلخ تلك الحقوق خطرا على كيان الأسرة؟ أم أن انتقال تلك الحقوق من طرف لآخر يبقى تحت مظلة الأسرة ولا يشكل ذلك خطرا على تماسك الأسرة وبقائها؟ أم أن ذلك على حساب مفهوم الأسرة حيث فقدت آخر معاقلها وحصونها وقلاعها؟ أم أن الأسرة موجودة لكن تغير مفهومها؟ الأسرة أقدم مؤسسة عرفتها البشرية، جمعتها الهوية والعاطفة ورسختها الحاجة والضرورة، واليوم على ما يبدو تمر الأسرة بأسوأ عصورها حيث فرقتها الفردية والرأسمالية ووسائل التواصل الاجتماعية. فمن المتعارف عليه في علم الاجتماع الأسري أن الأسرة تتكون من زوج وزوجة أو أب وأم وأبناء وبنات. وقد حددت الأعراف في كل مجتمع وفي كل ثقافة العلاقات بين أعضاء الأسرة، وحددت الأدوار لكل فرد في منظومة الأسرة، وحددت المسؤوليات والواجبات من كل طرف وتجاه كل طرف وإن كانت تتفاوت من مجتمع لآخر ومن ثقافة لأخرى، لكنها تتفق في العموميات ونادرا ما تختلف. وأنا أستعرض الملامح الرئيسة والخطوط الرئيسة للرؤية السعودية 2030، وخطة التحول الوطني لاحظت غياب الأسرة كنواة رئيسة في المجتمع، وقد يكون ذلك نابعا من أن الأسرة ليست مؤسسة اقتصادية ولذلك لم يتم التطرق لها والإشارة لدورها في المرحلة التحولية المقبلة. وأنا أستحضر الأسرة وأطالب ببعث دور الأسرة الاقتصادي والتنموي مثلما هو دورها التربوي والاجتماعي، في الحقيقة لا أطالب بالإبقاء على مفهوم الأسرة التقليدي لأن هذا مستحيل ولا يمكن التمسك بما لم يعد موجودا وقائما، ولا أود أن تترك المسألة عائمة في ظل تنامي الفردية غير المسبوق والنزعة الرأسمالية غير المقننة، خاصة أن هناك نماذج لأسر سيئة أفرزت عاهات ثقافية واجتماعية، لا يزال يعاني منها المجتمع ككل ولا تزال تتسبب بنماذج الفشل والكراهية والسلبية وهي بحاجة لتدخل تنموي، يعيدها وبعض أفرادها للثقافة الإيجابية والسوية والمنتجة الطبيعية. من المهم تشجيع الأسرة على أن تكون وحدة اقتصادية وليست وحدة اجتماعية أو تربوية فقط لتضمن الحدود الدنيا من إيجاد المصلحة وتعزيز تلك الروابط بين الزوجين والأبناء، فالإحصاءات تتحدث عن نسب عالية من الطلاق سنويا في المجتمع السعودي خاصة في بعض المناطق، حيث يعزو البعض من المتخصصين ارتفاع نسب الطلاق لأسباب مادية ضمن جملة من الأسباب المختلفة ترتبط بأسباب أخرى. هنا أريد أن أعيد مقترحا سابقا تحدثت عنه بإسهاب في مقالين سابقين وهو ضرورة انخراط الدولة في توجيه المجتمع لثقافة الادخار، ومن ضمن آليات الادخار أن تدخل الدولة شريكا في برنامج الادخار الأسري، يشترك به أعضاء الأسرة كل حسب دخله بنسب ثابتة لتوفير رابطة مصلحية اقتصادية تحث على استمرارية روابط الأسرة واستدامتها لفترات طويلة. فكما هو معلوم هناك صناديق تشترك بها بعض الأسر أو بعض فئات المجتمع، وقد صدر تنظيم لها رسمي أخيراً يعترف بها وينظمها، في ظني أن الدولة مدعوة للانخراط في تفعيل هذه الصناديق إذا كانت أسرية بل فرضها لكل أسرة منذ لحظة الزواج ولا أتحدث عن الصناديق الفئوية غير الأسرية. وبذلك نضمن تحويل الأسرة لوحدة منتجة في العرف الاقتصادي وإعادة الاعتبار للأسرة اجتماعيا وإدامة الأمان الأسري والحد من ظواهر المخدرات والإرهاب والفقر والبطالة والطلاق واللامسؤولية التي يتسم بها البعض. فكلنا يعرف أن كثيرا من الشركات والصناعات والتجارة والاستثمارات كان منبعها الأسرة ككل وليس سوى الأسرة.